أشكالها من السُّور المتضمنة قصَص الْأُمَم السالفة. وَكَانَ يَقُول: ((رحم الله أخي مُوسَى)) ، ((رحم الله أخي عِيسَى)) وَذَلِكَ لموْضِع الْمُشَاركَة لَهُ فِي الدعاية، فَأَرَادَ بإخوانه فِي آخر الزَّمَان: القائمين بشرعه عِنْد فَسَاد الْأمة، فقد شابهوه فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنه جَاءَ على فَتْرَة من الرُّسُل وَقد تشبث حب الْأَصْنَام بالقلوب، وَخيَار أمته يظْهر كل مِنْهُم فِي زمن قد يتشبث الْهوى فِيهِ بالنفوس فيسلكون سنَن الإستقامة وَيدعونَ النَّاس إِلَى الصّلاح. وَالثَّانِي: أَنه ظهر غَرِيبا وَأظْهر دينه، فَكَانَ غَرِيبا، وَكَذَلِكَ صالحو الْمُتَأَخِّرين يكونُونَ غرباء ويظهرون مَا قد صَار غَرِيبا، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ((بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فطوبى للغرباء)) قيل: من الغرباء؟ قَالَ: ((الَّذين يصلحون إِذا فسد النَّاس)) وَالثَّالِث: أَنهم يظهرون فِي زمَان خَال عَن نَذِير، فينفرد الْوَاحِد مِنْهُم عَن معِين، كَمَا ظهر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ هَذَا حَال صحابته مَعَ وجوده، فَإِن النَّاس استغنوا بِهِ عَنْهُم، فَلم يصلحوا إخْوَانًا لهَذَا الْمَعْنى وَإِن كَانَت مرتبتهم لَا توازى.
فَإِن قيل: فَهَلا كَانَت هَذِه مرتبَة الصَّحَابَة بعد مَوته؟ قُلْنَا: لَا يَصح؛ لِأَن الْعَهْد قريب، والبدع نادرة، والمدافع عَن الشَّرّ من أهل الْعلم كثير.
وَإِنَّمَا اشْتَدَّ شوقه إِلَيْهِم لمَكَان اجتهادهم فِي إِثْبَات الدَّلِيل على نبوته، فَإِن الصَّحَابَة رَأَوْا مِنْهُ مَا لم ير هَؤُلَاءِ من الْآيَات الخارقة والمعجزات العجيبة، كنبع المَاء من بَين أَصَابِعه، وحنين الْجذع إِلَيْهِ،