أَحدهَا: كَيفَ يقدر الْآدَمِيّ أَن يفقأ عين ملك الْمَوْت، فَلَيْسَ الْملك بجسم كثيف؟ وَالثَّانِي: كَيفَ جَازَ لمُوسَى أَن يفعل ذَلِك برَسُول ربه وَفِي طي هَذَا مراغمة الْمُرْسل؟ وَالثَّالِث: أَيْن شوق مُوسَى إِلَى لِقَاء الله تَعَالَى؟ وَالرَّابِع: كَيفَ خَالف الْملك مرسله فَعَاد وَلم يقبض نَفسه؟
فَالْجَوَاب: لما أكْرم الله عز وَجل مُوسَى بِكَلَامِهِ ومحبته إِيَّاه بعث إِلَيْهِ الْملك فِي صُورَة رجل ليتلطف فِي قبض روحه، فصادفه بشرا يكره الْمَوْت طبعا لما يعلم من ملاقاة مشاقه، فَدفعهُ عَن نَفسه وَهُوَ لَا يعلم أَنه ملك الْمَوْت، وَقد يخفى الْملك على النَّبِي إِذا جَاءَ فِي صُورَة الْبشر كَمَا خفيت الْمَلَائِكَة على إِبْرَاهِيم وَلُوط، وخفي جِبْرِيل على نَبينَا لما جَاءَهُ فِي صُورَة رجل فَسَأَلَهُ عَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان. فروى الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ من وُجُوه، فَفِي بَعْضهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((مَا خَفِي عَليّ جِبْرِيل قطّ مثل الْيَوْم)) وَفِي لفظ: ((مَا عَرفته حَتَّى ولى)) وَفِي لفظ: ((مَا أَتَانِي قطّ فَلم أعرفهُ قبل مرتي هَذِه)) وَفِي لفظ: ((مَا أَتَانِي فِي صُورَة قطّ إِلَّا عَرفته غير هَذِه الصُّورَة)) . فعلى هَذَا نقُول: دَفعه مُوسَى وَلم يعرفهُ، فصادفت تِلْكَ الدفعة عينة المركبة فِي الصُّورَة البشرية لَا الْعين الملكية، فَلَمَّا ذهب ملك الْمَوْت عَاد وَقد ردَّتْ عينه، فَتبين مُوسَى أَنه الْملك فاستسلم لقَضَاء الله سُبْحَانَهُ. وَقَالَ ابْن عقيل: يجوز أَن يكون مُوسَى قد أذن لَهُ فِي ذَلِك الْفِعْل بِملك الْمَوْت وابتلي ملك الْمَوْت بِالصبرِ عَلَيْهِ، كقصة الْخضر مَعَ مُوسَى.
فَأَما الشوق إِلَى لِقَاء الله سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَاقض كَرَاهِيَة الْمَوْت على