الْحِكْمَة فِي ذكر الصَّاع، فصلح الْأَمر بِمَا بَان لنا أَن يكون مُوَافقا لِلْأُصُولِ لَا مُخَالفا لَهَا، وَذَلِكَ أَن اللَّبن لَا يدّخر فَيرد، وَلَا يعلم مِقْدَاره، والنزاع يَقع فِي إِيجَاب مثله أَو قِيمَته، وَهُوَ من أَمْوَال الرِّبَا، فَرُبمَا أَخذ فِي مُقَابلَته أَكثر مِنْهُ، فَجعل الشَّرْع مِقْدَارًا من غير الْجِنْس يقطع بِهِ التشاجر. وَالثَّانِي: أَن أَبَا حنيفَة قد ارْتكب مثل هَذَا، فَأجَاز الْوضُوء بالنبيد بِحَدِيث ضَعِيف يُخَالف الْقيَاس. وَالثَّالِث: أَن أَبَا حنيفَة يقدم قَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس، فَكيف لَا يقدم قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالرَّابِع: أَنا لَو رددنا من قضايا الشَّرْع مَا يُخَالف المطرد مِنْهَا لردت قضايا كَثِيرَة؛ فَإِن الشَّرْع قد قوم النَّفس بِمِائَة من الْإِبِل، ثمَّ جعل الْغرَّة فِي مُقَابلَة الْجَنِين، وَسوى فِي الدِّيَة بَين دِيَة اللِّسَان والعينين وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ، وَأوجب أهل الرَّأْي فِي الحاجبين وأهداب الْعَينَيْنِ وَفِي اللِّحْيَة الدِّيَة كَامِلَة، وَأَيْنَ مَنَافِع الحاجبين من اللِّسَان وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ؟ ثمَّ قد رَأينَا أَن الشَّرْع جبر نقص السن فِي الزَّكَاة بشاتين أَو عشْرين درهما، وَقد لَا يعتدل هَذَا فِي كل زمَان، فَوَجَبَ علينا أَن نعطي كل دَلِيل حكمه.
وَأما قَوْلهم: لَا يقبل إِلَّا إِذا كَانَ رَاوِيه فَقِيها. فَالْجَوَاب: أَن اشْتِرَاط الْفِقْه فِي الرَّاوِي تحكم لَا وَجه لَهُ، وَإِنَّمَا الْمَأْخُوذ عَلَيْهِ الْعَدَالَة والضبط، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ((رب حَامِل فقه غير فَقِيه)) ثمَّ إِن الشَّهَادَة أَكثر شُرُوطًا. وَأما قَوْلهم: لم يكن أَبُو هُرَيْرَة فَقِيها. فَجَوَابه