عبد الْمطلب: إِن هَذِه الطير غَرِيبَة، ثمَّ بعث ابْنه عبد الله على فرس لينْظر، فَرجع يرْكض وَيَقُول: هلك الْقَوْم جَمِيعًا، فَخرج عبد الْمطلب وَأَصْحَابه فغنموا أَمْوَالهم، وَقيل: لم ينج مِنْهُم إِلَّا أَبُو يكسوم، فَسَار وطائر يطير من فَوْقه وَلَا يشْعر بِهِ حَتَّى دخل على النَّجَاشِيّ فَأخْبرهُ بِمَا أصَاب الْقَوْم، فَلَمَّا أتم كَلَامه رَمَاه الطير فَمَاتَ.
وَقد اعْترض بعض الْمُلْحِدِينَ فَقَالَ: لم حبس الْفِيل فِي زمَان الْجَاهِلِيَّة عَن الْكَعْبَة، وَلم يمْنَع الْحجَّاج وَقد نصب المنجنيق على الْكَعْبَة وَقتل ابْن الزبير وَسَفك بهَا الدَّم الْحَرَام، وَلم يحبس عَنْهَا القرامطة وَقد سلبوا الْكَعْبَة ومرقوا حطيمها وقلعوا الْحجر وَقتلُوا الْحَاج عِنْد الْكَعْبَة؟ فَأجَاب بعض الْعلمَاء بِأَن حبس الْفِيل كَانَ علما لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ كَانَ آباؤه عمارها، فَكَانَ ذَلِك حجَّة عَلَيْهِم فِي إِثْبَات نبوته، فَأَما إِذْ أقرّ الله الدّين وأعز أنصاره، فَلم يكن مَا جرى عَلَيْهَا مضرا بِالدّينِ وَلَا قادحا فِي بصائر الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ((وسلط عَلَيْهَا رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ)) دَلِيل على أَنَّهَا فتحت عنْوَة.
وَقَوله: ((وَمن قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين: إِمَّا أَن يفدى، أَو يقتل)) فِيهِ بَيَان أَن ولي الْقَتِيل بِالْخِيَارِ بَين أحد أَمريْن أَيهمَا شَاءَ أعْطِيه.