اثْنَتَيْ عشرَة سنة من النُّبُوَّة. أَو أَن يكون فِي الحَدِيث تَخْلِيط من الروَاة.
وَقد انزعج لهَذَا الحَدِيث أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث مَنَام، ثمَّ هُوَ حِكَايَة يحكيها أنس ويخبر بهَا من تِلْقَاء نَفسه، لم يعزها إِلَى رَسُول الله وَلم يروها عَنهُ، وَمَا ذكر فِيهِ من التدلي إِمَّا رَأْي أنس، وَإِمَّا من شريك بن عبد الله بن أبي نمر، فَإِنَّهُ كثير التفرد بمناكير الْأَلْفَاظ.
قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن أنس من غير طَرِيق شريك؛ فَلم يذكر فِيهِ هَذِه الْأَلْفَاظ الشنيعة، فَكَانَ ذَلِك مِمَّا يُقَوي الظَّن أَنَّهَا صادرة من شريك. قَالَ: وَفِي هَذَا الحَدِيث لَفْظَة أُخْرَى تفرد بهَا شريك وَلم يذكرهَا غَيره، وَهِي قَوْله: فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ، وَالْمَكَان لَا يُضَاف إِلَى الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا هُوَ مَكَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَذَلِكَ قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى فِي ((الْمُعْتَمد)) : إِن الله لَا يُوصف بِالْمَكَانِ. وَقد قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الأندلسي: فِي هَذَا الحَدِيث أَلْفَاظ مقحمة، والآفة فِيهَا من شريك، مِنْهَا قَوْله: قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ، فَإِن الْمِعْرَاج كَانَ بعد الْوَحْي بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة. وَمِنْهَا قَوْله: دنا الْجَبَّار. وَعَائِشَة تروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الَّذِي دنا فَتَدَلَّى جِبْرِيل.
قلت: وَمَتى قُلْنَا إِن هَكَذَا كَانَ مناما فَحكم الْمَنَام غير حكم الْيَقَظَة، فَلَا يُنكر مَا يذكر فِيهِ.