فَإِن قَالَ قَائِل: التباغض والتحاسد أَمر يتَعَلَّق بِالْقَلْبِ، فَكيف يُؤمر الْإِنْسَان بإزالته؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه إِنَّمَا يُؤمر بترك مَا يَأْمر بِهِ التباغض والتحاسد من الْأَفْعَال القبيحة، والذم للمبغوض والمحسود، فَإِذا كف الْأَفْعَال والأقوال لم يضرّهُ مَا فِي بَاطِن قلبه، وَصَارَ هَذَا كمن يحب الْخمر وَالزِّنَا، فَإنَّا نأمره بهجر ذَلِك، وَلَا تضره شَهْوَة الْقلب.
وَالثَّانِي: أَن يكون هَذَا تَنْبِيها على رفع مَا يُوجب التباغض والتحاسد، فَكَأَنَّهُ قيل لهَذَا الْمُؤمن: أَنْت وَهَذَا الشَّخْص قد اتفقتما فِي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَالدّين، فأنتما أَخَوان، وَلَا وَجه للتباغض والتحاسد إِلَّا إِيثَار الدُّنْيَا، فتفكر تعلم أَن الدُّنْيَا الحقيرة لَا يجوز أَن تفْسد الدّين الْعَزِيز.
وَقَوله: ((لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ)) قد سبق فِي مُسْند أبي أَيُّوب.
1522 - / 1851 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة عَام الْفَتْح، وعَلى رَأسه مغفر، فَلَمَّا نَزعه جَاءَهُ رجل فَقَالَ: ابْن خطل متلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة. فَقَالَ: ((اقْتُلُوهُ)) .
هَذَا يدل على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة غير محرم. وَهَذَا يدل على ترك الْإِحْرَام للخائف على نَفسه إِذا دخل مَكَّة. وَقد تكلمنا فِي هَذَا الْمَعْنى فِي مُسْند جَابر بن عبد الله.