أَشَارَ عمر بِمَا رَآهُ أصلح مَال إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا فضل كثير لعمر.
وَقد قَالَ قَائِل: مَا وَجه دُعَائِهِ بالزاد وَالْمَاء ثمَّ يَدْعُو بِالْبركَةِ فِيهِ، فَهَلا دَعَا ليخرج الله تَعَالَى لَهُم الزَّاد وَالْمَاء؟ فَالْجَوَاب: أَن مَا يَتَوَلَّاهُ الْخلق يَقع بالأسباب، فَلَا يخرج على يَد مَخْلُوق شَيْء لَا من شَيْء، كَمَا قَالَ عِيسَى: {أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير} [آل عمرَان: 49] فَأَما ابتداع الْأَشْيَاء لَا من شَيْء فَذَاك مِمَّا انْفَرد الْحق عز وَجل بِهِ.
فَإِن قيل: فقد ركض الأَرْض فنبع المَاء. قُلْنَا: فالأرض مَحل المَاء.
1483 - / 1804 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: ((الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ)) .
الصَّوْم فِي اللُّغَة: الْإِمْسَاك فِي الْجُمْلَة، يُقَال: صَامت الرّيح: إِذا أَمْسَكت عَن الهبوب.
وَالصَّوْم فِي الشَّرِيعَة: الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع مَعَ انضمام النِّيَّة إِلَيْهِ.
وَلقَائِل أَن يَقُول: مَا معنى: إِضَافَة الصَّوْم إِلَيْهِ بقوله: ((الصَّوْم لي)) وَجَمِيع الْعِبَادَات لَهُ؟ فَالْجَوَاب عَنهُ من خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَنه إِضَافَة تشريف كَقَوْلِه تَعَالَى: {وطهر بَيْتِي} [الْحَج: 26] وَقَوله: {نَاقَة الله} [الْأَعْرَاف: 73] . وَالثَّانِي: أَنه أَضَافَهُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أحب الْعِبَادَات إِلَيْهِ، يدل عَلَيْهِ أَن فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ((كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي)) وَكَانَ الْمَعْنى هُوَ الْمُقدم عِنْدِي على غَيره. وَالثَّالِث: لمضاعفته جزاءه، فَالْمَعْنى: أَن جَمِيع الْأَعْمَال لَهَا جَزَاء مَعْلُوم إِلَّا الصَّوْم فَإِنِّي