أحدها: أن هذا خُصَّ من العموم بدليل آخر.
الثاني: أن قوله: "البينة على المدعي" ليس بعام؛ لأن المراد: المدعي المعهود، وهو من لا حجة له سوى الدعوى، وأما المدعي الذي معه حجة تقوي دعواه، فليس داخلًا في هذا الحديث.
الثالث: أن المراد بالبينة: كلُّ ما بين صحةَ دعوى المدعي، وشهدَ بصدقه، فاللوث مع القسامة بينة، والشاهد مع اليمين بينة.
الرابع: ما سلكه بعضهم، وهو الطعن في صحة هذه اللفظة؛ أعني قوله: "البينة على المدعي"، وقالوا: إنما الثابت قوله: "اليمين على المدعى عليه"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يُعطى الناس بدعواهم. . . ." إلخ يدل على أن مدَّعي الدم والمال لابدَّ له من بينة تدلُّ على ما ادَّعاه، ولا يدخل في عموم ذلك أنَّ من ادعى على رجل أنه قتل مُوَرِّثه، وليس معه إلا قولُ المقتول عند موته: جرحني فلان، لا يكتفى بذلك، ولا يكون بمجرده لوثًا في قول الجمهور؛ خلافًا للمالكية؛ فإنهم جعلوه لوثًا يُقْسِمُ معه الأولياء، ويستحقون الدم.
ولو ادعت امرأة على رجل أنه استكرهها على الزنا، فالجمهور أنه لا يثبت بمجرد دعواها عليه شيء.
وقال أشهب من المالكية: لها الصداقُ بيمينها.
وقال غيره منهم: لها الصداقُ بغير يمين، هذا إذا كانت ذاتَ قَدْر، وادعت على رجل مُتَّهم تليق به الدعوى، فإن كان المرميُّ بذلك من أهل الصلاح، ففي حدها للقذف عن مالك رِوايتان، وقد كان شريحٌ، وإياسُ بنُ معاويةَ يحكمان في الأموال المتنازعِ فيها بمجرد القرائن الدالة على صدق أحد المتداعيين، قاله الحافظ ابن رجب.