وأما الأمين إذا ادَّعى التلف؛ كالمودع إذا ادَّعى تلفَ الوديعة، فقد قيل: إنه مدع؛ لأن الأصل يخالف ما ادعاه، وإنما لم يحتج إلى بينة؛ لأن المودع ائتمنه، والائتمان يقتضي قبول قوله.
وقيل: إن المدعي الذي يحتاج إلى بينة هو المدعي ليُعطى بدعواه مالَ قوم أو دماءهم؛ كما ذكر ذلك في الحديث.
وأما الأمين، فلا يدَّعي ليُعطَى شيئًا.
وقيل: بل هو مدَّعًى عليه؛ لأنه إذا سكت، لم يترك، بل لابدّ له من رد الجواب. والمودعُ مدَّعٍ؛ لأنه إذا سكت، تُرك، ولو ادعى الأمينُ ردَّ الأمانة إلى من ائتمنه، فالأكثرون على قبول قوله؛ كدعوى التلف.
وقال الأوزاعي: لا يقبل قوله؛ لأنه مدع.
وقال مالك: إن ثبت قبضُه للأمانة ببينة، لم يقبل قولُه في الرد بدون بينة.
وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين:
أحدهما: أن البينة على المدعي أبدًا، واليمين على المدَّعى عليه أبدًا، وهو قول أبي حنيفة، ووافقه طائفة من الفقهاء والمحدثين؛ كالبخاري، وطردوا في كل دعوى، حتى القَسامة، وقال: لا يحلف إلا المدَّعى عليه، ورأوا أَلَّا يقضى بشاهد ويمين؛ لأن اليمين لا تكون على المدَّعي، بل لا تكون إلا في جانب المنكرِ المدَّعى عليه، وتقدم الكلام على ذلك بما لعله يكفي ويشفي، واستدلالُ من استدلَّ بظاهر هذا الحديث على عدم قبول الشاهد واليمين مدخول؛ فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولكن اليمين على المدعى عليه" إنما أريد بها اليمين المجردة عن الشهادة، وأولُ الحديث يدل على