قال ابن دقيق العيد: اهتمامه -عليه الصَّلاة والسَّلام- بشهادة الزور يحتمل أن يكون لأنها أسهلُ وقوعًا على الناس، والتهاونُ بها أكبرُ، ومفسدتها أيسرُ وقوعًا؛ لأن الشرك ينبو عنه المسلم، والعقوقُ ينبو عنه الطبع، وأمّا قول الزور، فالحوامل عليه كثيرة، فحسُنَ الاهتمامُ بها، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها.
قال: وأما عطفُ الشهادة على القول، فينبغي أن يكون تأكيدًا للشهادة؛ لأنا لو حملناه على الإطلاق، لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة، وليس كذلك.
وإن كان بعض الذنوب منصوصًا على عِظَمه؛ كقوله: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 112].
وبالجملة: فمراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده.
قال: وقد نصّ الحديث الصحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة، والغيبة تختلف بحسب القول المغتاب به.
فالغيبة بالقذف كبيرة، ولا يساويها الغيبة بقبح الخلقة والهيئة مثلًا (?).
وقال غيره: يجوز أن يكون من عطف الخاص على العام؛ لأن كل شهادة زور قولُ زور، بغير عكس، ويحمل قول الزور على نوع خاص منه.
قال في "الفتح": والأولى ما قاله الشيخ ابنُ دقيق العيد، ويؤيدُه وقوع شكٍّ في ذلك في حديث النبي، فدل على أن المراد شيء واحد.
قال القرطبي: شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصَّل بها إلى