وفهم بعضهم منه أن المراد بقوله: ثلاثًا، عددُ الكبائر، وهو بعيد، ويؤيده رواية: "أكبرُ الكبائر الإشراكُ، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور" ثَلاثًا.
وقد اختلف السلف، فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر، ومنها صغائر، وشذّت طائفة منهم: أبو إسحاق الإسفراييني، فقالوا: ليس في الذنوب صغيرة، بل كل ما نهى الله عنه كبيرة، ونقل ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- (?)، وحكاه القاضي عياض عن المحققين (?)، واحتجوا بأن كل مخالفة لله، فهي بالنسبة إلى جلاله كبيرةٌ، انتهى (?).
ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية، فقال: انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء، وخالفهم الأشعرية؛ أبو بكر بنُ الطيب وأصحابه، فقالوا: المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال: بعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها؛ كما يقال: القُبلة معصية صغيرة بإضافتها إلى الزنا، وكلها كبائر.
قالوا: ولا ذنبَ عندنا يغفر واجبًا باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة، ومرتكبه في المشيئة، غير الكفر؛ لقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وأجابوا عن الآية التي احتج بها الجمهور، وهي قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] الآية: أن المراد: الشرك.