وكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ، وربما تقوى نار الغضب، فتفني الرطوبة التي بها حياةُ القلوب، فيموت صاحبه غيظًا، كما تقوى النار في الكهف، فيتشقق وتنهدّ أعاليه على أسافله.

وبالحقيقة، فالسفينة في ملتطم الأمواج عند اضطراب الرياح في لجة البحر أحسنُ حالًا وأرجى سلامةً من النفس المضطربة غيظًا.

ومن آثار هذا الغضب في الظاهر: تغير اللون، وشدَّةُ الرعدة في الأطراف، وخروجُ الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطرابُ الحركة والكلام، حتى يظهر الزبد على الأشداق، وتحمر الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة.

ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبحَ صورته، لسكن غضبه [حياء (?)] من قبح ظاهره؛ فإن الظاهر عنوان الباطن، فهذا أثره في الجسد.

وأما أثره في اللسان، فانطلاقه بالشتم والفحش وقبائح الكلام الذي يستحيي منه عند زوال غضبه، ولكل عضو من أعضاء البدن عند إثارة الغضب وشدته نصيبٌ من عدم الانتظام والتغير عن الفطرة.

وثمرةُ تركِ الغضبِ بالكلية فقدُ الأنفة والحمية، والغيرةِ المحمودة المرضية.

والمحمودُ من الغضب ما كان لله، فهو غضب ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حين تجب الحمية، وينطفىء حيث يحسن الحلم، فيحفظ صاحبه، ويوقفه على حدِّ الاعتدال، وخيرُ الأمور أوساطها، انتهى ملخصًا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015