(فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لما سمع كلامه المسجع: (إنما هو من إخوان الكهان) جمع كاهن وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويَدَّعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة، كشِقٍّ، وسَطيح، وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعًا من الجن ورِئيًا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلامِ مَنْ يسأله، أو فعلِه أو حالِه، وهذا يخصّونه باسم العراف، كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق، ومكانَ الضالَّة ونحوِهِما (?).
وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - لحمل بن النابغة ذلك (من أجل سجعه الذي سجع)، ولم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمن سجعه من الباطل كما في "النهاية"، وإنما ضرب المثل بالكهان؛ لأنهم كانوا يروجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق للسامعين، فيستميلون بها القلوب، ويستصغون إليها الأسماعَ، فأما إذا وُضع السجع في مواضعه من الكلام، فلا ذم فيه ولا ملام (?)، وكيف وقد جاء في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ لا يُسمع" (?)، ففي هذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليلٌ لما قاله