لعانهما، وقعت الفرقة، ولا يعتبر تفرق الحاكم، وهذا مذهب الإمام أحمد في أصح الروايتين عنه، وهو المذهب المعتمد، اختارها أبو بكر، وهو قول مالك، وأهل الظاهر؛ لأن الشرع إنما ورد بالتفريق بينهما بعد تمام لعانهما لمصلحة ظاهرة، وهي أن الله سبحانه جعل بين الزوجين مودة ورحمة، وجعل كلًا منهما سكنًا للآخر، وقد زال هذا بالقذف، وإقامتها مقام الخزي والعار والفضيحة، فإن كان كاذبًا، فقد فضحها، وبهتها، [ورماها بالداء العضال ونفى ورؤوس قومها وهتكها على رؤوس الأشهاد] (?)، وإن كانت هي كاذبة، فقد أفسدت فراشه، ومسته الفضيحة والخزي والعار بكونه زوج بغي، وتعليق ولَدِ غيره عليه، فلا يحصل بعد هذا بينهما من المودة والرحمة والسكن ما هو المطلوب بالنكاح، فكان من محاسن الشريعة الغراء التفريقُ بينهما، والتحريم المؤبد -على ما سنذكره-، وهذا لا يترتب على بعض اللعان، كما لا يترتب على بعض لعان الزوج.

* المذهب الثالث: أن الفرقة لا تحصل إلا بتمام لعانها، وتفريق الحاكم، بينهما، وهذا مذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد، واحتج لهذا بالحديث المذكور، وبقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما، فظاهر هذا أن الفرقة لم تحصل قبله، وبأن عويمرًا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلَّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي هذا حجة من وجهين: إمكان إمساكها، ووقوع الطلاق، ولو حصلت الفرقة باللعان وحده، لما ثبت واحد منهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015