صورته، فلم يرد تبليغ الغائب، وإنما أراد الإخبار عن نفسه، كقولهم: إليك عنا؛ أي: اجعل شغلك بنفسك، ولم يرد أن يغريه به، وإنما مراده: دعني وكن لمن شغل عني.
وأما الحديث، فليس فيه إغراء الغائب، بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله: "من استطاع منكم"، فالهاء في قوله: "فعليه" ليست للغائب، وإنما هي للحاضر المبهم، لا يصحّ خطابه بالكاف، ونظير هذا قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، ومثله لو قلت لاثنين: من قدم منكما، فله درهم، فالهاء للمبهم من المخاطبين، لا للغائب، انتهى ملخصًا (?)، وقد استحسنه القرطبي (?).
قال في "الفتح": وهو حسن بليغ، وقد تفطن له الطيبي، فقال: قال أبو عبيد: قوله: "فعليه بالصوم" إغراء غائب، ولا تكاد العربُ تُغري إلّا الشاهد، تقول: عليك زيدًا، إلّا في هذا الحديث (?)، وجوابه: أنّه لمّا كان الضمير الغائب راجعًا إلى لفظة: "من"، وهي عبارة عن المخاطبين في قوله: "يا معشر الشباب! "، وبيان لقوله: "منكم"، جاز قوله: "عليه"؛ لأنه بمنزلة الخطاب.
قال في "الفتح": وأجاب بعضهم: بأن إيراد هذا اللفظ، في مثالٍ إغراء الغائب باعتبار اللفظ وجواب عياض باعتبار المعنى، وأكثر كلام العرب