جهلَه، وأَلَّا تزيدَه شدةُ الجهل عليه إلا حلمًا، فكنت أتلطف له؛ لأن أخالطه فأعرفَ حلمَه، فابتعتُ منه تمرًا معلومًا إلى أجل معلوم، وأعطيته الثمن.
ولفظُ ابن حبان، و"الوفاء" للحافظ ابن الجوزي: فخرج يومًا، ومعه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فجاء رجل كالبدوي، فقال: يا رسول الله! إن قرية بني فلان أسلموا، وحدثتُهم إن هم أسلموا، أتتهم أرزاقُهم رغدًا، وقد أصابتهم سَنَة وشدَّة، وإني مشفق أن يخرجوا من الإسلام، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تُعينهم به.
قال زيد: فقلت: أنا أبتاع منك بكذا وكذا وسقًا، وأعطيته ثمانين دينارًا، فدفعها إلى الرجل، وقال: "أعجل عليهم بها فأغثهم"، فلما كان قبل الحل بيوم أو يومين أو ثلاثة، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة في نفر من أصحابه، فجذبتُ رداءه جذبةً شديدة حتى سقط عن عاتقه، ثم أقبلتُ بوجه غليظٍ جهم، فقلت: ألا تقضيني يامحمد؟ فو الله! ما علمتُكم بني عبد المطلب بمُطل، فارتعدَتْ فرائصُ عمرَ بن الخطاب كالفلك المستدير، ثم رمى بصره، وقال: أي عدوَّ الله! أتقول هذا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتصنع به ما أرى، وتقول ما أسمع؟ فو الذي بعثه بالحق! لولا ما أخاف فوته -أي: الافتياتَ عليه، يعني: على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لسبقني رأسُك، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى عمرَ في تُؤَدَة وسكون، ثم تبسم وقال: "أنا وهو كنا أحوجَ إلى غير هذا منك يا عمر! تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن اتباعه، اذهبْ".
وفي رواية الزهري: أنه قال له: يا محمد! اقضِ حقي، فإنكم -معاشرَ بني عبد المطلب- مُطل، فقال عمر: يا يهودي الخبيث! أما والله! لولا مكانه -يعني: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، لضربت الذي فيه عيناكَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غفر الله لكَ يا أبا حفص، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوجَ إلى أن تكون