قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "إبطال التحليل": إذا كان مقصود الرجل نفس الملك المباح بالبيع، وما هو من توابعه، وحصَّله بالبيع، فقد قصد بالسبب ما شرعه الله سبحانه له، وأتى بالسبب حقيقة، وسواء كان مقصوده يحصل بعقد، أو عقود، مثل: أن يكون بيده سلعة، وهو يريد أن يبتاع سلعة أخرى لا تباع بسلعته لمانع شرعي أو عرفي أو غير ذلك، فيبيع بسلعته ما ليملك ثمنها، والبيع لملك الثمن مقصود مشروع، ثم يبتاع بالثمن سلعة أخرى، وابتياعُ السلع بالأثمان مقصود مشروع.

قال: وهذه قصة بلال - رضي الله عنه - بخيبر سواء، فإنه إذا باع الجمع بالدراهم، فقد أراد بالبيع ملك الثمن، وهذا مشروع مقصود، ثم إذا ابتاع بالدراهم جنيبًا، فقد أراد بالابتياع ملكَ سلعة، وهذا مقصود مشروع، فلما كان بائعًا، قصد ملك الثمن حقيقةً، ولما كان مبتاعًا، قصد ملك السلعة حقيقةً، فإن ابتاع بالثمن من غير المشتري منه، فهنا لا محذور فيه، إذ كل واحد من العقدين مقصود مشروع، ولهذا يستوفيان حكم العقد الأول من النقد والقبض ونحو ذلك، وأما إذا ابتاع بالثمن من مبتاعه من جنس ما باعه، فيخاف ألَّا يكون العقد الأول مقصودًا منهما، بل قصدُهما بيعُ السلعة الأولى بالثانية، فيكون رِبًا، ويظهر هذا القصد بأن يكون إذا باعه التمر مثلًا بدراهم لم يحرر وزنها ولا نقدها ولا قبضها، فيعلم أنه لم يقصد بالعقد الأول ملك الثمن بذلك التمر، ولا قصدَ المشتري ملكَ التمر بتلك الدراهم التي هي الثمن، بل قصد العقد الأول على أن يعيد إليه الثمن، ويأخذ التمر الآخر، وهذا تواطؤ منهما حين عقده على فسخه، والعقدُ إذا قُصد به فسخه، لم يكن مقصودًا، وإذا لم يكن الأول مقصودًا، كان وجوده كعدمه، فيكونان قد اتفقا على أن يباع بالتمر تمر، ويحقق أن هذا العقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015