إما على سبيل التغليب، أو أن كلًا منهما بايع (بالخيار) -بكسر الخاء المعجمة-، والمراد به: خيار المجلس (ما لم يتفرَّقا)، وفي رواية النسائي: "يفترقا" -بتقديم الفاء (?) -، ونقل ثعلب عن المفضل بن سلمة: افترقا بالكلام، وتفرقا بالأبدان، وردَّه ابن العربي، لقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4]، فإنه ظاهر في التفرق بالكلام، إلا أنه بالاعتقاد، وأجيب بأنه من لازمه في الغالب؛ لأنه من خالف آخر عقيدته، كان مستدعيًا لمفارقته إياه ببدنه، ولا يخفى ضعف هذا الجواب.
والحق حملُ كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة، وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا (?).
وإذا تفرقا، لزم البيع، والمراد: التفرق بالأبدان -كما تقدم-.
وهل له حدٌّ ينتهي إليه؟ المشهور الراجح من مذاهب العلماء في ذلك: أنه موكول إلى العرف، فكل ما عُدَّ في العرف تفرقًا، حُكم به، وما لا، فلا (?)، (أو قال - صلى الله عليه وسلم -: حَتّى يتفرقا) من مجلس العقد الذي عقدا به البيع، (فإن صدقا وبيَّنا)؛ أي: صدق البائع في إخبار الشاري مثلًا، وبيَّن العَيبَ إن كان في السلعة، وصدق المشتري في قدر الثمن مثلًا، وبيَّن العيب إن كان في الثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد، وذكر أحدهما تأكيدًا للآخر (?) (بُورك لهما في بيعهما)؛ أي: بارك الله لكل واحد منهما في صفقته، فالبائع يُبارك له في الثمن، والمشتري يبارك له في السلعة.