وحديث عائشةَ، وابنِ عمر: أنه تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أصحُّ من حديثهما: أنَّه أفردَ، وما صحَّ من ذلك عنهما، فمعناه: إفرادُ أعمالِ الحجّ.
وفي "الصّحيحين": أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ أزواجَه أن يَحْلِلْنَ عامَ حجةِ الوداع.
قالت حفصة: فما يمنعُكَ أن تحلّ؟ قال: "إنّي لَبَّدْتُ رَأْسي، وَقلَّدْت هَدْيي، فَلا أَحِلُّ حَتَى أَنْحَرَ" (?).
وفي حديث عائشةَ وابن عمرَ المتقدّمِ: فطافَ بالصّفا والمروة، ثمّ لم يَحْلِلْ من شيء حَرُمَ منه حتّى قَضَى حَجَّهُ، ونَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْر، وأفاضَ فطافَ بالبيتِ، ثمّ حَلَّ من كلِّ شيء، فكلّ هذا يدلّ على أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان معتمرًا، وليس فيه: أنَّه لم يكنْ مع العمرةِ حاجًّا.
فقد تبيّن أن الرواياتِ الكثيرةَ الثّابتةَ عن ابن عمرَ وعائشةَ توافق ما فعله سائر الصَّحابة -رضي اللَّه عنهم-: أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان متمتِّعًا التّمتُّعَ العام، وأما ما جاء: أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحرم مطلقًا، فاحتجّ بحديث مرسَل، فلا يعارِضُ هذه الأحاديثَ الثّابتةَ، فظهر؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن من قال: أفرد الحجّ، وأراد أنَّه اعتمر بعدَ حجّه؛ كما يظنّ بعض المتفقهة، فهو مخطىء، وأما [من] (?) قال: أفرد الحجَّ بمعنى: أنه لم يأتِ مع حجة بعمرة، فقد اعتقده بعض العلماء، وهو غلط؛ لاتفاقهم أنَّه اعتمر أربعَ عمر، الرابعة مع حجّه.
ومن قال: إنَّه تمتّع؛ بمعنى: أنَّه لم يحرم بالحج حتّى طافَ وسعَى، فقوله أيضًا غلطٌ.