في ليالي صومه، كذا قيل، ورُدَّ بأنه لو كان كذلك، لم يكن مُواصلًا، والجمهورُ على أنه مجازٌ عن لازم الطعام والشراب [وهو القوة]، أو أن اللَّه تعالى يخلُق فيه من الشبع والريِّ ما يُغنيه عن الطعام والشراب، فلا يحسُّ بجوع ولا عطش.
والفرقُ بينه وبين الأول: أنه على الأول يُعطى القوة من غير شبع ولا ري، [بل] مع الجوع والظمأ، وعلى الثاني: يُعطى القوة مع الشبع والري.
ورجَّح قوم الأولَ؛ لأنه يفوتُ بالثاني مقصودُ الصوم والوصال؛ فإن الجوع والظمأ روحُ هذه العبادة بخصوصها (?).
قال الإمام ابن القيم في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني أُطعم وأُسقى": يحتمل أن يكون المراد: ما يغذِّيه اللَّه به من معارفه، وما يفيضه على قلبه من لذة مناجاته، وقرة عينه بقربه، ونعيمه بحبه، قال: ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناءَ الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني، ولاسيما الفرحان الظافر بمطلوبه، الذي قرت عينه بمحبوبه (?).
(ورواه)؛ أي: هذا الحديث جماعةٌ من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، منهم: (أَبو هريرة) كما في "الصحيحين"، ولفظه: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول اللَّه تواصل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لستُمْ مثلي، إني أَبيتُ يُطْعمني ربي ويَسقيني"، فلما أَبَوا أَن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: