(فألفكم اللَّه بي) بعدَ تلك المقاطعة والفرقة، فصرتم تتعاطفون وتتواصلون، يعطف بعضكم على بعض، ويرحم بعضُكم بعضًا، ويصل بعضكم بعضًا، (و) كنتم يا معشر الأنصار (عالَةً) جمعُ عائل، وهو الفقير؛ أي: كنتم فقراء، (فأغناكم اللَّه بي)، أتبع -صلى اللَّه عليه وسلم- تعداد نعمة الألفة بتعداد نعمة المال؛ لأنّ نعمة الألفة أعظمُ؛ إذ تُبذل الأموالُ في تحصيل الألفة واتحاد الكلمة، فختم -صلى اللَّه عليه وسلم- بتعداد نعمة الغنى والمال، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- (كلما قال) لهم (شيئًا) مما عدَّده عليهم من النعم، (قالوا) مجيبين بالاعتراف: (اللَّه ورسوله أَمَنُّ)؛ أي: أكثر مَنًّا وأعظمُ إحسانًا، وفي أسمائه تعالى المنَّانُ، وهو المنعِمُ المعطي؛ من المن، وهو العطاء، لا من المِنَّة، وكثيرًا ما يرد المنُّ في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه، والمنَّانُ من أبنية المبالغة، كالسَّفّاك والوهَّاب.
وفي الحديث: أنّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَينا من ابنِ أَبِي قُحافَة" (?)؛ أي: ما أحدٌ أجودَ بماله وذاتِ يده من الصدِّيقِ الأعظمِ أبي بكر -رضوان اللَّه عليه- (?).
وفي جوابهم -رضوان اللَّه عليهم- بما أجابوا استعمالُ الأدب، والاعترافُ بالحق (?).