قال القرطبي: إنما صور أوائلهم الصور؛ ليتأنسوا بها، ويتذكروا أفعالهم الصالحة، فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون اللَّه عند قبورهم، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور، ويعظمونها، فحذر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مثل ذلك؛ سدًا للذريعة المؤدية [إلى ذلك] (?).
وفي لفظ: "صوروا تلك الصورة" (?) -بالإفراد-، يعني: التي مات صاحبها، فنفَّرَ -عليه الصلاة والسلام- عن مثل فعلهم، بقوله: (أولئك) -بفتح الكاف وكسرها- (شرار الخلق عند اللَّه)، ومحل القصد من حديث المنع من اتخاذ قبور الأنبياء والصلحاء وغيرهم مساجد، ومقتضى الذم والتنفير: التحريم، لا سيما وقد ثبت اللعن عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى المصرية": بناء المساجد على القبور محرم، باتفاق الأئمة، ولو بنى عليه غير مسجد، نهي عنه أيضًا باتفاق العلماء، وإنما تنازعوا في تطيينه: فرخص فيه الإمام أحمد، والشافعي، وكرهه أَبو حنيفة، كالتجصيص، قال: والبناء على القبور من المساجد والترب محدث في الإسلام من قريب، انتهى (?).
وقال ابن دقيق العيد في شرح حديث عائشة هذا: فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل، وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير، ولقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان؛ لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وهذا الزمان حيث