والصديقون يجوز عليهم جميع الذنوب باتفاق الأئمة، فما يلقى لأهل المكاشفات والمخاطيات من المؤمنين، هو من جنس ما يكون لأهل القياس والرأي، فلا بد من عرضه على الكتاب والسنة والإجماع؛ فلا أحدٌ من هؤلاء المشايخ ولا الصديقين معصومًا، وكل من ادعى غناه عن الرسالة بمكاشفة أو مخاطبة أو عصمة، سواء ادعى ذلك لنفسه، أو لشيخه، فهو من أضل الناس، واللَّه أعلم.

الثاني: أن التوبة والاستغفار قد يكونان من ترك الأفضل، وأما الذم والوعيد، فلا يكونان إلا عن ذنب، وحسناتُ الأبرار سيئات المقربين، فالصديقُ يرى من نفسه نوعَ فتور عن معالي الأمور اللائقة بمقامه الباذخ، وفضله الراسخ.

فربما عُدَّ تقاعسُه عن المبادرة إلى ذروة ترك المعالي، وتقاعدُه عن إحراز فرائد هاتيك اللآلي، نوعًا من ظلم النفس التائقة إلى الصعود إليها، والطالبة العكوف عليها، فيمنعها من ذلك الاشتغال بما هو أهم وأحرى، فمع تكرر ذلك مرة بعد أخرى، صار ظلمًا كثيرًا، واللَّه أعلم.

(ولا يغفر الذنوب إلا أنت) فيه: إقرار بالوحدانية، واستجلاب المغفرة، وهو كقوله -سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران: 135]، فأثنى على المستغفرين، وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار، لوح بالأمر؛ كما قيل: إن كل شيء أثنى اللَّه على فاعله، فهو أمر به، وكل شيء ذم فاعله، فهو ناه عنه؛ كما في "الفتح" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015