. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرَةِ عَلَيْهِمْ وَاحْتِمَالِ الْكَذِبِ وَالْخَطَأِ فِي شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ الْبَاطِنِ فَلَا جَرَمَ اكْتَفَى بِالظَّاهِرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهِمْ شُهَدَاءَ، وَالشَّاهِدُ اسْمٌ لِمَنْ يُخْبِرُ بِالصِّدْقِ حَقِيقَةً وَيَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً وَالْكَاذِبُ لَا يُسَمَّى شَاهِدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ صَدَقَةٌ فِيمَا أَخْبَرُوا وَإِنَّ قَوْلَهُمْ حُجَّةٌ؛ فَإِنَّ الْحَكِيمَ لَا يَحْكُمُ بِخَيْرِيَّةِ قَوْمٍ لِيَشْهَدُوا، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ كُلَّهُمْ يُقْدِمُونَ عَلَى الْكَذِبِ فِيمَا يَشْهَدُونَ فَدَلَّ أَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُقْدِمُونَ إلَّا عَلَى الْحَقِّ حَيْثُ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ شَهَادَتُهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْأُمَمِ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَلَّغَتْ إلَيْهِمْ الرِّسَالَةَ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْخَبَرُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونُوا صَدَقَةً فِي شَهَادَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ لَا فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَأَنْ يَكُونُوا عُدُولًا فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الشُّهُودِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَ الْأَدَاءِ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ.
قُلْنَا: لَا تَفْصِيلَ فِي الْآيَةِ فَتَتَنَاوَلُ شَهَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَذَا لَمْ يُذْكَرْ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَتَرْكُ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ بِهِ يُوجِبُ التَّعْمِيمَ كَمَا فِي قَوْلِك: فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ؛ فَيَكُونُ الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً شَهَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ شَهَادَتِهِمْ حُكْمُهُمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى النَّاسِ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ صَيْرُورَتَهُمْ عُدُولًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالُوا لَقَالَ سَنَجْعَلُكُمْ أُمَّةً وَسَطًا كَيْفَ وَجَمِيعُ الْأُمَمِ عُدُولٌ فِي الْآخِرَةِ لَا يَبْقَى فِي الْآيَةِ تَخْصِيصٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ شَهَادَةً جَامِعَةً لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ مُعْتَبَرَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوَابًا وَحَقًّا لَا مَحَالَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ تَعَالَى كَمَا جَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ شُهَدَاءَ جَعَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ قُلْ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} [آل عمران: 99] ، ثُمَّ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً، فَكَذَا إجْمَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ حُجَّةً حِينَ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالْكِتَابِ شُهَدَاءَ بِهِ وَلَمْ يَبْقَ الْيَوْمَ حُجَّةً لِكُفْرِهِمْ، عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ بِمَا فِيهِ مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلِمَ لَا تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ.
فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ جَمِيعَ مَنْ صَدَّقَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إحَاطَةُ عِلْمِنَا بِإِجْمَاعِ كُلِّ مَنْ صَدَّقَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ وُجِدَ فِي زَمَانِ نُزُولِ الْآيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إجْمَاعٌ حُجَّةً حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ قَدْ قَالَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ.
قُلْنَا: لِمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَدَالَةِ وَالشَّهَادَةِ فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْنَا قَبُولَ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَسِّمَ تَقْسِيمًا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْوُصُولِ إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَاعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً عَلَى قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْكَوْنِ مَعَ الصَّادِقِينَ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّادِقِ هُوَ الصَّادِقُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الصَّادِقُ فِي الْبَعْضِ لَزِمَ مِنْهُ الْأَمْرُ بِمُوَافَقَةِ كِلَا الْخَصْمَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَادِقٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا بِالْمُتَابَعَةِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَيِّنٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ وَالتَّعْطِيلُ، ثُمَّ يَقُولُ ذَلِكَ الصَّادِقُ فِي