وَذَلِكَ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ فِيهِ هَوًى وَلَا فِسْقٌ أَمَّا الْفِسْقُ فَيُورِثُ التُّهْمَةَ وَيُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَبِأَهْلِيَّةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَصِفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» وَهَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْكُفَّارَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَيَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ كُلَّ مُسْلِمٍ لَكِنْ لَهُ طَرَفَانِ وَاضِحَانِ وَالنَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ وَأَوْسَاطٌ مُتَشَابِهَةٌ أَمَّا الْوَاضِحُ فِي النَّفْيِ فَالْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ وَالْأَجِنَّةُ فَإِنَّهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْأُمَّةِ فَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِالْأُمَّةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» وَأَمْثَالِهِ إلَّا مَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِفَاقُ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ فَهْمِهَا وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ مَنْ لَا يَفْهَمُهَا وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَيُوجَدُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا دَلَّ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً دَلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِ الْكُلِّ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْمُجْمِعِينَ وَلَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا الْوَاضِحُ فِي الْإِثْبَاتِ فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مَقْبُولُ الْفَتْوَى؛ إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ قَطْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَتِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْأَوْسَاطُ الْمُتَشَابِهَةُ فَالْعَوَامُّ الْمُكَلَّفُونَ، وَالْفَقِيهُ الَّذِي لَيْسَ بِأُصُولِيٍّ، وَالْأُصُولِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَالْمُجْتَهِدُ الْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ وَأَمْثَالُهُمْ ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ اشْتَرَطَ مُوَافَقَةَ الْأَوْسَاطِ أَيْضًا فَقَالَ: إنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُوجِبَ لِلْعِلْمِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاتِّبَاعِ فِرَقِ الْأُمَّةِ خَوَاصِّهِمْ وَعَوَامِّهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبِدْعَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَمُطْلَقُ اسْمِ الْأُمَّةِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لَكِنْ خُصَّ مِنْهُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ
وَمَنْ لَمْ يُوجَدْ لِعَدَمِ الْفَهْمِ التَّامِّ وَلِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ مِنْهُمْ فَيَبْقَى الْبَاقِي بِحَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى كَذَا» تَنَاوَلَ الْكُلَّ فَكَذَا هَا هُنَا وَلِأَنَّ قَوْلَ الْأُمَّةِ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِعِصْمَتِهَا عَنْ الْخَطَأِ وَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ الْعِصْمَةُ مِنْ صِفَاتِ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَالشَّيْخُ لَمْ يَعْتَبِرْ إلَّا اتِّفَاقَ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْعَدَالَةِ وَمُجَانَبَةِ الْبِدْعَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فَقَالَ: أَهْلِيَّةُ الْإِجْمَاعِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِأَهْلِيَّةِ الْكَرَامَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً كَرَامَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْكَرَامَةِ فِيهِمْ وَذَلِكَ أَيْ ثُبُوتُ الْأَهْلِيَّةِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ فِيهِ هَوًى أَيْ بِدْعَةٌ وَلَا فِسْقٌ أَيْ فِسْقٌ ظَاهِرٌ يَعْنِي أَهْلِيَّةَ الْإِجْمَاعِ تَثْبُتُ بِصِفَةِ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ فِي الدِّينِ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ وَالْحُجَجَ الَّتِي جَعَلَتْ الْإِجْمَاعَ حُجَّةً تَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْمَعَانِي أَمَّا اشْتِرَاطُ الِاسْتِقَامَةِ عَمَلًا وَهِيَ الْعَدَالَةُ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُلْزِمًا إنَّمَا ثَبَتَ بِأَهْلِيَّةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَبِصِفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] وَأَهْلِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ تَثْبُتُ بِصِفَةِ الْعَدَالَةِ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ اتِّبَاعَ الْآمِرِ وَالنَّاهِي فِيمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى؛ إذْ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ الِاتِّبَاعُ لَا يَكُونُ فِيهِمَا فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُ الْعَدْلِ الْمَرْضِيِّ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْكَرَامَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالْفِسْقُ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ فَلَمْ يَبْقَ بِهِ أَهْلًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا يُوجِبُ اتِّبَاعَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ فِي قَوْلِهِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ يُنَافِي وُجُوبَ الِاتِّبَاعِ وَيُورِثُ التُّهْمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَحَرَّزْ مِنْ إظْهَارِ