وَلَنَا شَرْطُ النُّطْقِ مِنْهُمْ جَمِيعًا مُتَعَذِّرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ بَلْ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ عَصْرٍ أَنْ يَتَوَلَّى الْكِبَارُ الْفَتْوَى وَيُسَلِّمُ سَائِرُهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ غَشُّوك أَيْ خَانُوك أَرَى عَلَيْك الْغُرَّةُ فَقَالَ: أَنْتَ صَدَقْتَنِي فَقَدْ اسْتَجَازَ عَلِيٌّ السُّكُوتَ مَعَ إضْمَارِ الْخِلَافِ وَلَمْ يَجْعَلْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُكُوتَهُ دَلِيلَ الْمُوَافَقَةِ حَتَّى اسْتَنْطَقَهُ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ السُّكُوتَ كَمَا يَكُونُ لِلْمُوَافَقَةِ يَكُونُ لِلْمَهَابَةِ وَالتَّقِيَّةِ مَعَ إضْمَارِ الْخِلَافِ كَمَا قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا أَظْهَرَ قَوْلَهُ فِي الْعَوْلِ وَقَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ هَلَّا قُلْت هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْعَوْلِ فَقَالَ كَانَ رَجُلًا مَهِيبًا فَهِبْتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ مَنَعَنِي عَنْ ذَلِكَ دِرَّتُهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَأَمَّلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْ لَمْ يَجْتَهِدُوا لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْجِهَادِ أَوْ سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ أَوْ اجْتَهَدُوا فَلَمْ يُؤَدِّ اجْتِهَادُهُمْ إلَى شَيْءٍ فَتَوَقَّفُوا.
وَقَدْ يَكُونُ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَمْ يَرَوْا الْإِنْكَارَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مَعْنًى لِكَوْنِ هَذَا الْقَوْلِ صَوَابًا فِي حَقِّ قَائِلِهِ عِنْدَهُمْ كَالْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مَسْأَلَةٍ مُجْتَهِدًا فِيهَا بِرَأْيِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَكَتَ الْمُخَالِفُونَ لَا يَكُونُ سُكُوتُهُمْ دَلِيلَ الرِّضَاءِ وَالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ يَكُونُ لِكَوْنِ الْعَامِلِ أَكْبَرَ سِنًّا وَأَعْظَمَ حُرْمَةً وَأَقْوَى فِي الِاجْتِهَادِ فَلَا يَزُولُ التَّدَارُكُ وَالْإِنْكَارُ مَصْلَحَةً احْتِرَامًا لَهُ، وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي لَا يَكُونُ حُجَّةً خُصُوصًا فِيمَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ قَطْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ السُّكُوتَ فِيمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ لِكَوْنِهِ مُحْتَمِلًا فَكَذَا فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ خِلَافٌ.
1 -
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ بِأَنَّ سُكُوتَهُمْ مَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى الْمُوَافَقَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَقَدْ احْتَجَّ الْفُقَهَاءُ فِي كُلِّ عَصْرٍ بِالْقَوْلِ الْمُنْتَشِرِ فِي الصَّحَابَةِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ فَدَلَّ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوهُ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا مَقْطُوعًا بِهِ لِلِاحْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَكْثَرَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَقَلَّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ، فَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ سُكُوتًا يَجْعَلُ ذَلِكَ كَسُكُوتِ الْكُلِّ، وَإِذَا ظَهَرَ الْقَوْلُ مِنْ الْأَكْثَرِ يَجْعَلُ ذَلِكَ كَظُهُورٍ مِنْ الْكُلِّ.
وَأَمَّا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ تَمَسَّكَ بِأَنَّ الْمَوْجُودَ إذَا كَانَ حُكْمًا مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ لَا يَدُلُّ السُّكُوتُ مِنْ الْبَاقِينَ عَلَى الرِّضَاءِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُسْقِطُ الِاعْتِرَاضَ؛ لِأَنَّ فِي الْإِنْكَارِ اقْتِيَاتًا عَلَيْهِ قَالَ وَنَحْنُ نَحْضُرُ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَنَرَاهُمْ يَقْضُونَ بِخِلَافِ مَذْهَبِنَا وَلَا نُنْكِرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ سُكُوتُنَا رِضَاءً مِنَّا بِذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُفْتِي، فَإِنَّ فَتْوَاهُ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلَا مَانِعَةٍ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَوَافَقَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فَقَالَ: إنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْحَاكِمِ يَكُونُ عَنْ مَشُورَةٍ وَالصَّادِرَ عَنْ فَتْوَى يَكُونُ عَنْ اسْتِبْدَادٍ، فَإِذَا صَدَرَ الْقَوْلُ عَنْ مُشَاوَرَةٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِجْمَاعِ، وَإِذَا صَدَرَ عَنْ اسْتِبْدَادِهِ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا الْجُبَّائِيُّ فَقَالَ: انْقِرَاضُ الْعَصْرِ يُضْعِفُ احْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ سُكُوتُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُجْتَهِدٍ فِي مَسْأَلَةٍ ظَنِّيَّةٍ لَكِنَّ اسْتِمْرَارَهُمْ عَلَى السُّكُوتِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَطَوِّرِ يَبْعُدُ وَيُخَالِفُ الْعَادَةَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَكَرَّرُ تَذَاكِيرُ الْوَاقِعَةِ وَالْخَوْضُ فِيهَا لَمْ يُتَصَوَّرْ دَوَامُ السُّكُوتِ مِنْ كُلِّ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى تَكَرُّرِ الْوَاقِعَةِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ وَلِهَذَا أَظْهَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ مِنْ بَعْدُ فَلِذَلِكَ شَرَطْنَا انْقِرَاضَ الْعَصْرِ لِصَيْرُورَتِهِ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (إنَّ شَرْطَ النُّطْقِ مِنْهُمْ جَمِيعًا مُتَعَذِّرٌ) إلَى آخِرِهِ وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ التَّنْصِيصُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَوْلِهِ وَإِظْهَارُ الْمُوَافَقَةِ مَعَ الْأَخْرَسِ قَوْلًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعَصْرِ كُلِّهِمْ عَلَى قَوْلٍ يُسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَّا