لِأَنَّ رُكْنَ كُلِّ شَيْءٍ مَا يَقُومُ بِهِ أَصْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي نَوْعَيْ الْإِجْمَاعِ مَا قُلْنَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ، فَإِنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا شَرْعِيًّا بِالِاتِّفَاقِ مَعَ انْطِبَاقِ هَذَا الْحَدِّ عَلَيْهِ وَغَيْرَ مُنْعَكِسٍ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ وَالْمُجْتَهِدِينَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ كَانَ إجْمَاعًا مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ هَذَا الْحَدِّ لِكَوْنِهِمَا غَيْرَ دِينِيَّيْنِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُجْتَهِدُونَ الْمَوْجُودُونَ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ كَوْنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ إجْمَاعًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ وَقِيلَ هُوَ اجْتِمَاعُ جَمِيعِ آرَاءِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ عِنْدَ نُزُولِ الْحَادِثَةِ.
وَقِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ: إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَأُرِيدَ بِالِاتِّفَاقِ الِاشْتِرَاكُ فِي الِاعْتِقَادِ أَوْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ. وَإِذَا أَطْبَقَ بَعْضُهُمْ عَلَى الِاعْتِقَادِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الدَّالَيْنِ عَلَى الِاعْتِقَادِ، وَاحْتَرَزَ بِلَفْظِ الْمُجْتَهِدِينَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْمُسْتَغْرِقِ بِالْجَمِيعِ عَنْ اتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ كَالْعَامَّةِ وَاتِّفَاقِ بَعْضِهِمْ وَبِقَوْلِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ وَبِقَوْلِهِ فِي عَصْرٍ عَنْ إيهَامِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِاتِّفَاقِ مُجْتَهِدِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ إلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ لِتَنَاوُلِ لَفْظِ الْمُجْتَهِدِينَ جَمِيعَهُمْ، وَإِنَّمَا قِيلَ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ لِيَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِلْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ وَالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مُتَصَوَّرٌ وَأَنْكَرَ بَعْضُ الرَّوَافِضِ وَالنَّظَّامُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ تَصَوُّرَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ انْتِشَارَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْحُكْمِ إلَيْهِمْ عَادَةً، فَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ امْتَنَعَ الِاتِّفَاقُ الَّذِي هُوَ فَرْعُ تَسَاوِيهِمْ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ إلَيْهِمْ وَبِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَاطِعٍ أَوْ ظَنٍّ إذْ لَا ثَالِثَ وَلَا بُدَّ لِلْإِجْمَاعِ مِنْ مُسْتَنَدٍ، فَإِنْ كَانَ عَنْ قَاطِعٍ فَالْعَادَةُ تُحِيلُ عَدَمَ نَقْلِهِ وَتَوَاطُؤِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ عَلَى إخْفَائِهِ وَحَيْثُ لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ عَلَى عَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ ظَنٍّ فَالِاتِّفَاقُ فِيهِ مُمْتَنِعٌ عَادَةً أَيْضًا لِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ كَمَا أَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمَّا كَانَ مُتَصَوَّرًا فِي الْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ يَكُونُ مُتَصَوَّرًا فِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُوجَدُ سَبَبٌ يَدْعُو إلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ لَوُجِدَ أَيْضًا سَبَبٌ يَدْعُو إلَى إجْمَاعِهِمْ بِاعْتِقَادِ الْأَحْكَامِ، وَالِانْتِشَارُ إنَّمَا يَمْنَعُ عَنْ النَّقْلِ عَادَةً إذَا لَمْ يَكُونُوا مُجِدِّينَ وَبَاحِثِينَ فَأَمَّا إذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَلَا وَالْعَادَةُ لَا تُحِيلُ أَيْضًا عَدَمَ نَقْلِ الْقَاطِعِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْ نَقْلِهِ بِدَلَالَةِ غَيْرِهِ عَلَى حُكْمِهِ كَالْإِجْمَاعِ فِي مِثَالِنَا، فَإِنَّهُ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ.
وَكَذَا اخْتِلَافُ الْقَرَائِحِ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِيمَا هُوَ خَفِيٌّ مِنْ الظَّنِّ لَا فِيمَا هُوَ جَلِيٌّ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ بَلْ يُؤَدِّي اجْتِهَادُ الْكُلِّ بِالنَّظَرِ فِيهِ إلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَيَبْطُلُ جَمِيعُ مَا ذَكَرُوا بِالْوُقُوعِ، وَإِنَّا نَعْلَمُ عِلْمًا لَا مِرَاءَ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَقْدِيمِ النَّصِّ الْقَاطِعِ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَبِإِجْمَاعِ جَمِيعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى وُجُوبِ إخْفَاءِ التَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبِإِجْمَاعِ جَمِيعِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَزِيَادَةٌ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بَلْ وَاقِعٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ رُكْنِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ الْإِجْمَاعُ وَأَهْلِيَّةُ مَنْ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِ أَيْ بِرَأْيِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ إذْ لَا بُدَّ لِكَوْنِ الشَّيْءِ مُعْتَبَرًا مِنْ صُدُورِ رُكْنِهِ مِنْ الْأَهْلِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ