(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مُبَاحٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَوَاجِبٌ، وَفَرْضٌ، وَفِيهَا قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ الزَّلَّةُ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاقْتِدَاءِ وَلَا يَخْلُو عَنْ بَيَانِ مَقْرُونٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ أَوْ مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَعَصَى آدَمُ} [طه: 121] وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى مِنْ قَتْلِ الْقِبْطِيِّ {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15]
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَّصِلًا بِخِلَافِ النَّسْخِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ كُلِّهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّقْيِيدِ وَالنَّسْخِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَنَّ التَّقْيِيدَ مُفْرَدٌ وَالنَّسْخَ جُمْلَةٌ وَأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْأَوَّلِ وَالنَّسْخُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَلْ يَعْمَلُ فِي بَعْضِهِ بِالْإِبْطَالِ، وَالتَّعْلِيقَ يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّغْيِيرِ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ بَلْ هُوَ إيجَابٌ، وَالتَّعْلِيقُ يَمِينٌ وَأَنَّ التَّعْلِيقَ يَصِحُّ فِي الْإِيجَابِ دُونَ الْخَبَرِ وَالِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ فِيهِمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّقْيِيدِ أَنَّ التَّعْلِيقَ تَبْدِيلٌ مِنْ الْإِيجَابِ إلَى الْيَمِينِ وَالتَّقْيِيدَ لَيْسَ بِتَبْدِيلِ صُورَةٍ بَلْ زِيَادَةُ أَمْرٍ آخَرَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّقْيِيدِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ التَّقْيِيدَ يُثْبِتُ أَمْرًا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْأَوَّلِ وَالِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ عَنْ الْأَوَّلِ مَا كَانَ ثَابِتًا صُورَةً وَأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يُخْرِجُ الْأَوَّلَ عَنْ حَقِيقَتِهِ صُورَةً، فَإِنَّ الرَّقَبَةَ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا رَقَبَةً بَلْ تَبْقَى رَقَبَةً لَكِنْ لَمْ يَبْقَ الْجَوَازُ بِهَا وَالِاسْتِثْنَاءَ قَدْ يُخْرِجُ الْأَوَّلَ عَنْ حَقِيقَتِهِ كَمَا لَوْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَلْفِ شَيْءٌ لَا يَبْقَى أَلْفًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّسْخِ وَالتَّعْلِيقِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ إلَّا مُقَارِنًا وَالنَّسْخُ عَلَى عَكْسِهِ.
وَأَنَّ الشَّرْطَ مَعَ الْمَشْرُوطِ يَمِينٌ وَالنَّاسِخَ مَعَ الْمَنْسُوخِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ إيجَابًا وَالْمَنْسُوخُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالتَّعْلِيقِ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْعَامِّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّعْلِيقِ ذَلِكَ وَأَنَّ التَّخْصِيصَ لَهُ حُكْمٌ عَلَى ضِدِّ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي التَّعْلِيقِ ذَلِكَ وَأَنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ مُسْتَقِلٌّ وَالشَّرْطُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ وَالتَّعْلِيقَ لَا يَقْبَلُهُ وَقِسْ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ]
(بَابُ أَفْعَالِ النَّبِيِّ:
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) وَالْأَفْعَالُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَا لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى وُجُودِهِ كَبَعْضِ أَفْعَالِ النَّائِمِ وَالسَّاهِي، فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ، وَمَالَهُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى وُجُودِهِ كَسَائِرِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ وَالْحَسَنُ مِنْهَا يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ وَالْقَبِيحُ مِنْهَا يَنْقَسِمُ إلَى مَحْظُورٍ وَمَكْرُوهٍ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ سِوَى الْقِسْمِ الْأَخِيرِ يَصِحُّ وُقُوعُهَا عَنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَخِيرُ فَيَصِحُّ وُقُوعُهُ عَنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ مِنْهُ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُمْ عُصِمُوا عَنْ الْكَبَائِرِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ الصَّغَائِرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُعْصَمُوا عَنْ الزَّلَّاتِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَفْعَالِ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَفْعَالُ الَّتِي تَقَعُ عَنْ قَصْدٍ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الزَّلَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِبَيَانِ الِاقْتِدَاءِ وَمَا وَقَعَ بِطَرِيقِ الزَّلَّةِ أَوْ وَقَعَ لَا عَنْ قَصْدٍ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ لَا يَصْلُحُ لِلِاقْتِدَاءِ.
وَقَدْ يَقْتَرِنُ الْبَيَانُ بِالزَّلَّةِ لَا مَحَالَةَ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ قَتَلَ الْقِبْطِيَّ {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15] أَيْ هَيَّجَ غَضَبِي حَتَّى ضَرَبْته فَوَقَعَ قَتْلًا فَأَضَافَهُ إلَيْهِ تَسَبُّبًا وَإِنَّمَا جُعِلَ قَتْلُ الْكَافِرِ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ كَانَ قَبْلَ الْإِذْنِ فِي الْقَتْلِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَأْمَنًا فِيهِمْ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْمَنِ قَتْلُ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَهُوَ