قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَنْسُوخُ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ التِّلَاوَةُ وَالْحُكْمُ وَالْحُكْمُ دُونَ التِّلَاوَةِ وَالتِّلَاوَةُ بِلَا حُكْمٍ وَنَسْخُ وَصْفِهِ فِي الْحُكْمِ أَمَّا نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا فَمِثْلُ صُحُفِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهَا نُسِخَتْ أَصْلًا إمَّا بِصَرْفِهَا عَنْ الْقُلُوبِ أَوْ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ هَذَا جَائِزًا فِي الْقُرْآنِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 7] وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] فَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] أَيْ نَحْفَظُهُ مُنَزَّلًا لَا يَلْحَقُهُ تَبْدِيلٌ صِيَانَةً لِلدِّينِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَشَقَّ لَيْسَ بِخَيْرٍ بَلْ هُوَ خَيْرٌ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا أَنَّ الْأَخَفَّ خَيْرٌ بِاعْتِبَارِ السُّهُولَةِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْأَشَقَّ أَكْثَرُ ثَوَابًا عَلَى مَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَجْرُك عَلَى قَدْرِ تَعَبِك وَقَالَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا عَلَى الْبَدَنِ» وَكَذَا تَمَسُّكُهُمْ بِالْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ لَا تَدُلَّانِ عَلَى الْيُسْرِ وَالتَّخْفِيفِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلْ فِي صُوَرٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَعْقُولِ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِمْ فِي نَقْلِ الْخَلْقِ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ إلَى مَشَقَّةِ التَّكْلِيفِ وَعَنْ الصِّحَّةِ إلَى الْمَرَضِ وَعَنْ الْقُوَّةِ إلَى الضَّعْفِ وَعَنْ الْغِنَى إلَى الْفَقْرِ فَمَا هُوَ الْجَوَابُ لَهُمْ عَنْ صُوَرِ الْإِلْزَامِ فَهُوَ جَوَابُنَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ تَفْصِيلِ الْمَنْسُوخِ]
بَابُ تَفْصِيلِ الْمَنْسُوخِ الْمَنْسُوخُ:
اسْمٌ لِلْحُكْمِ الْمُرْتَفِعِ أَوْ اسْمٌ لِلْحُكْمِ الَّذِي انْتَهَى بِالدَّلِيلِ الْمُتَأَخِّرِ وَقَدْ يُسَمَّى الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مَنْسُوخًا وَهُوَ أَنْوَاعٌ: نَسْخُ الدَّلِيلِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ، وَنَسْخُ الشَّرْطِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: نَسْخُ كُلِّ الْحُكْمِ، وَنَسْخُ بَعْضِ الْحُكْمِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَالنُّقْصَانُ عَنْهُ أَمَّا نَسْخُ الدَّلِيلِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ نَسْخُ وَحْيٍ مَتْلُوٍّ وَنَسْخُ وَحْيٍ غَيْرِ مَتْلُوٍّ وَهُوَ خَبَرُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ فَأَنْوَاعٌ نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ وَعَكْسُهُ كَذَا ذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ مِنْ تَفْصِيلِ الْمَنْسُوخِ فِي هَذَا الْبَابِ تَفْصِيلُ الْمَنْسُوخِ مِنْ الْكِتَابِ لَا تَفْصِيلَ مُطْلَقِ الْمَنْسُوخِ.
الْمَنْسُوخُ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ التِّلَاوَةُ وَالْحُكْمُ أَيْ اللَّفْظُ وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِمَعْنَاهُ جَمِيعًا وَالْحُكْمُ دُونَ اللَّفْظِ وَعَكْسُهُ وَنَسْخُ وَصْفِهِ نَحْوُ نَسْخِ فَرْضِيَّةِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فَمِثْلُ صُحُفِ إبْرَاهِيمَ فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا حَقِيقَةً أَنَّهَا كَانَتْ نَازِلَةً تُقْرَأُ وَيُعْمَلُ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} [الأعلى: 18] {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 19] ثُمَّ نُسِخَتْ أَصْلًا وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ الْخَلْقِ تِلَاوَةً وَلَا عَمَلًا بِهِ فَلَا طَرِيقَ لِذَلِكَ سِوَى الْقَوْلِ بِانْتِسَاخِ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ فِيمَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِصَرْفِهَا عَنْ الْقُلُوبِ أَيْ بِرَفْعِهَا عَنْهَا أَوْ هُوَ مِنْ مَغْلُوبِ الْكَلَامِ أَيْ تُصْرَفُ الْقُلُوبُ عَنْهَا أَيْ عَنْ حِفْظِهَا وَكَانَ هَذَا أَيْ هَذَا النَّوْعُ وَهُوَ نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا بِصَرْفِ الْقُلُوبِ عَنْهُمَا جَائِزًا فِي الْقُرْآنِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 7] إذْ لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ النِّسْيَانُ لَخَلَا ذِكْرُ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ الْفَائِدَةِ.
وقَوْله تَعَالَى أَوْ نُنْسِهَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا وَذَلِكَ مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ وَرُوِيَ أَنَّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُوتِيَ قُرْآنًا ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمَّا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَلْبِهِ ذَلِكَ فَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا أَيْ فَلَا يَجُوزُ قَالَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ وَالْمُلْحِدَةِ مِمَّنْ يَتَسَتَّرُ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَاصِدٌ إلَى إفْسَادِهِ هَذَا جَائِزٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَيْضًا وَزَعَمُوا أَنَّ فِي الْقُرْآنِ كَانَتْ آيَاتٌ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ وَفِي فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ فَكَتَمَهَا الصَّحَابَةُ فَلَمْ تَبْقَ بِانْدِرَاسِ زَمَانِهِمْ وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ