وَالْإِجْمَاعُ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَصِحُّ النَّسْخُ بِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّسْخَ بِهِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ دُونَ رَأْيِهِ، وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ فَرْضٌ وَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ الْبَيَانُ كَانَ مُنْفَرِدًا بِذَلِكَ لَا مَحَالَةَ وَإِذَا صَارَ الْإِجْمَاعُ وَاجِبَ الْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَبْقَ النَّسْخُ مَشْرُوعًا

وَإِنَّمَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ وَنَسْخُ الْكِتَابِ بِالسَّنَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا فَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِهِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الْقَاطِعِ عَلَى غَيْرِهِ وَتَرْكِ الْأَضْعَفِ بِالْأَقْوَى، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَلَا نَسْخَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَظْنُونِ الْمُتَقَدِّمِ إنَّمَا يَثْبُتُ مَشْرُوطًا بِرُجْحَانِهِ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ وَيُنَافِيهِ إذْ لَوْ تَرَجَّحَ عَلَيْهِ قِيَاسٌ آخَرُ يَبْطُلُ شَرْطُ الْعَمَلِ بِهِ وَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُقْتَضِيًا لِلْحُكْمِ فَتَبَيَّنَ مِنْ الْقِيَاسِ الرَّاجِحِ أَنَّ حُكْمَ الْمَظْنُونِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَإِذْ لَا ثُبُوتَ لَهُ فَلَا دَفْعَ وَلَا نَسْخَ وَأَمَّا اعْتِبَارُ النَّسْخِ بِالتَّخْصِيصِ فَمَنْقُوضٌ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَالْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِهَا جَائِزٌ دُونَ النَّسْخِ وَكَيْفَ يَتَسَاوَيَانِ وَالتَّخْصِيصُ بَيَانٌ وَالنَّسْخُ رَفْعٌ وَإِبْطَالٌ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْأَنْمَاطِيُّ ضَعِيفٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْوَصْفَ الَّذِي بِهِ يُرَدُّ الْفَرْعُ إلَى الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْنَى فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَقْطُوعًا بِهِ بِأَنْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ جَازَ النَّسْخُ فِيهِ أَيْضًا كَالنَّصِّ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي جَوَازِ كَوْنِ الْقِيَاسِ مَنْسُوخًا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَالْحَنَابِلَةِ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ فِي قَوْلٍ مَصِيرٍ مِنْهُمْ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ أَصْلٍ فَالْقِيَاسُ بَاقٍ بِبَقَاءِ الْأَصْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ حُكْمِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ نَسْخَ الْقِيَاسِ الْمَوْجُودِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُونَ مَا وُجِدَ بَعْدَهُ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَاخْتِيَارُ الْعَامَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْسُوخًا كَمَا لَا يَكُونُ نَاسِخًا؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْقِيَاسِ قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا يُبَيِّنُ زَوَالَ شَرْطِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ وَهُوَ رُجْحَانُهُ لِرُجْحَانِ الْقَاطِعِ وَالظَّنِّيِّ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ وَإِلَّا لَمَا صَلَحَ لِنَسْخِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِذَا زَالَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ فَلَا رَفْعَ وَلَا نَسْخَ.

وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ نَسْخُ الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ وَلَا بِدَلِيلٍ فَوْقَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّسْخَ انْتِهَاءُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَبِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ إذَا كَانَ فَوْقَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْأَوَّلِ وَيَعْمَلُ الْمُجْتَهِدُ بِالثَّانِي إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ نَسْخُ الْقِيَاسِ فِي الْمَعْنَى يَجُوزُ بِنَصٍّ مُتَقَدِّمٍ وَبِإِجْمَاعٍ وَبِقِيَاسٍ نَحْوُ أَنْ يَجْتَهِدَ بَعْضُ النَّاسِ فَيُحَرِّمُ شَيْئًا بِقِيَاسٍ بَعْدَمَا اجْتَهَدَ فِي طَلَبِ النُّصُوصِ ثُمَّ يَظْفَرُ بِنَصٍّ بِخِلَافِ قِيَاسِهِ أَوْ تُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِ قِيَاسِهِ أَوْ يَظْفَرُ هُوَ بِقِيَاسٍ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ تَرْكُ قِيَاسِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ نَسْخًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ إنَّمَا عُمِلَ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ قِيَاسٌ أَوْلَى مِنْهُ وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ.

هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ قَدْ تُعُبِّدَ بِهِ ثُمَّ رُفِعَ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَقُولُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ قَدْ تُعُبِّدَ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ نَسْخُ التَّعَبُّدِ بِهِ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ) فَكَذَا الْإِجْمَاعُ يَجُوزُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ عِيسَى بْنُ أَبَانَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ تَمَسَّكُوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا حَجَبَ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِأَخَوَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَيْفَ تَحْجُبُهَا بِأَخَوَيْنِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ فَقَالَ حَجَبَهَا قَوْمُك يَا غُلَامُ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِأَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ سَقَطَ نَصِيبُهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِأَنَّ الْإِجْمَاعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015