وَالثَّابِتُ بِالدَّلَالَةِ مِثْلُهُ إذَا ثَبَتَ بِالصَّرِيحِ فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَصِحَّ وَهَذَا فَصْلٌ يَطُولُ شَرْحُهُ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إيدَاعُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ وَالتَّسْلِيطِ نَوْعَانِ: الِاسْتِحْفَاظُ وَغَيْرُهُ فَإِذَا نَصَّ عَلَى الْإِيدَاعِ كَانَ مُسْتَثْنًى

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعَ وَامْتِنَاعِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، فَأَمَّا لَوْ صَدَّقَهُ عَلَى الْبَيَانِ فَيُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا، ثُمَّ قَبْضَ الْجَارِيَةِ وَهَاهُنَا لَوْ صَدَّقَهُ مَا بَقِيَتْ مُطَالَبَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا لَمْ تَحْضُرْ الْجَارِيَةُ وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ كَمَا يَرِدْ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ يَرِدْ عَلَى الدَّرَاهِمِ السَّتُّوقَةِ مُوجِبَةً ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ فَكَانَ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ اسْتِثْنَاءً لِبَعْضِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ بِالْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَخَرَجَتْ وَبَقِيَ الْمَجَازُ لَا رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا مِائَةً وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً مُصَدَّقٌ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْتِزَامُ الْحِفْظِ لَا الْعَيْنُ وَكَلِمَةُ عَلَيَّ كَلِمَةٌ تَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا بِحُكْمِ شُمُولِ الْكَلِمَةِ لَا بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَمَا لِلشَّرْعِ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِكَلِمَةِ عَلَيَّ فِي لُزُومِ قَدْرٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا اللُّزُومُ بِحُكْمِ اللُّغَةِ وَمِنْ حُكْمِ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْجُمْلَةِ إنْكَارًا عَلَى مَا عَلَيْهِ اللُّغَةُ، فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالسَّلَامَةُ عَنْ الْعَيْبِ وَوُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ثَبَتَ لِلْبَيْعِ لَا يَتَغَيَّرُ شَرْعًا إلَّا بِمَعْنًى عَارِضٍ وَبِدُونِ الْعَارِضِ لَا يُتَصَوَّرُ تَغَيُّرُهُ فَلَا يَكُونُ التَّغَيُّرُ بِدَعْوَى الْعَارِضِ إنْكَارًا مِنْ الْأَصْلِ بَلْ يَكُونُ دَعْوَى.

قَوْلُهُ (وَالثَّابِتُ بِالدَّلَالَةِ مِثْلُ الثَّابِتِ بِالصَّرِيحِ) يَعْنِي لَمَّا دَلَّ إقْرَارُهُ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ جَارِيَةٍ بِكُرَّةٍ عَلَى الْقَبْضِ صَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ قَبَضْتهَا فَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَقْبِضْهَا رُجُوعًا لَا بَيَانًا فَيَبْطُلُ، فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا صَرِيحٌ بِخِلَافِهَا وَهَاهُنَا قَدْ صَرَّحَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَلَا يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالضَّرُورَةِ إذَا حَجَّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ يَكُونُ مُتَنَفِّلًا لَا مُفْتَرِضًا لِسُقُوطِ الدَّلَالَةِ بِمُقَابَلَةِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ قُلْنَا إنَّمَا يَبْطُلُ الدَّلَالَةُ بِالصَّرِيحِ إذَا كَانَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَقَّقَ التَّدَافُعُ فَيَتَرَجَّحَ الصَّرِيحُ عَلَى الدَّلَالَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَا فِي زَمَانَيْنِ فَلَا تَدَافُعَ فَيَثْبُتُ مُوجِبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا إذَا حَجَّ ضَرُورَةً بِنِيَّةِ النَّفْلِ، ثُمَّ حَجَّ فِي سَنَةٍ أُخْرَى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ يَكُونُ مُفْتَرِضًا فِي الثَّانِيَةِ دَلَالَةً وَهَاهُنَا ثَبَتَ الْقَبْضُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ دَلَالَةً وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ فَيَبْطُلُ الثَّانِي ضَرُورَةً حَتَّى لَوْ كَانَ فِي وُسْعِهِ إبْطَالُ الْأَوَّلِ ثَبَتَ مُوجَبُ الصَّرِيحِ بِأَنْ مَنَعَ مِنْ الْتِقَاطِ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ تَرْتَفِعُ الْإِبَاحَةُ الثَّابِتَةُ دَلَالَةً إذْ فِي وُسْعِهِ رَفْعُهَا وَإِبْطَالُهَا

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ بُنِيَتْ مَسْأَلَةُ إيدَاعِ الصَّبِيِّ وَهُوَ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى أَحَدِ الْمَفْعُولَيْنِ وَحَذْفُ الْآخَرِ أَيْ إيدَاعُ الصَّبِيِّ شَيْئًا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ مَالًا سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ صَبِيًّا عَاقِلًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَإِنْ هَلَكَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَاسْتَهْلَكَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ عَاقِلٍ فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْعَاقِلِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ سَوَاءٌ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ، وَقَدْ عَقَلَ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015