وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَقَالَ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ إنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الصُّغْرَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَأَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الْآيَةَ وَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَثْبُتُ دَلَالَةً فَمِثْلُ النَّصَّيْنِ تَعَارَضَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّ الْحَاظِرَ يُجْعَلُ آخِرًا نَاسِخًا دَلَالَةً؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُمَا وُجِدَا فِي زَمَانَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْحَاظِرُ أَوَّلًا كَانَ نَاسِخًا لِلْمُبِيحِ ثُمَّ كَانَ الْمُبِيحُ نَاسِخًا فَتَكَرَّرَ النَّسْخُ، وَإِذَا تَقَدَّمَ الْمُبِيحُ ثُمَّ الْحَاظِرُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَكَانَ الْمُتَيَقَّنُ أَوْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكِتَابِ لَمَا اسْتَقَامَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ.
ثُمَّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْقِرَاءَةُ بِالْخَفْضِ وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفَةً عَلَى الرَّأْسِ فَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلْغَسْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمَسْحِ الْغَسْلُ فِي حَقِّ الرِّجْلِ لِلْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ ... . قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصَا
وَلِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْسَاسُ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ وَالْمُتَوَضِّئُ لَا يَقْنَعُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ حَتَّى يَمْسَحَهَا فِي الْغَسْلِ وَيُقَالُ تَمَسَّحْت لِلصَّلَاةِ أَيْ تَوَضَّأْت، وَقَالَ تَعَالَى {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص: 33] أَيْ غَسَلَ أَعْنَاقَهَا وَأَرْجُلَهَا غَسْلًا خَفِيفًا فِي قَوْلٍ إزَالَةً لِلْغُبَارِ عَنْهَا لِكَرَامَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَسْحِ قَدْ أُرِيدَتْ بِقَوْلِهِ {وَامْسَحُوا} [المائدة: 6] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا أُرِيدَ الْغَسْلُ بِالْمَسْحِ الْمُقَدَّرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] إذْ التَّقْدِيرُ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَامْسَحُوا بِأَرْجُلِكُمْ دُونَ الْمَذْكُورِ صَرِيحًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي عَطْفِ الْمَغْسُولِ عَلَى الْمَمْسُوحِ؟ قُلْنَا هِيَ التَّحْذِيرُ عَنْ الْإِسْرَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَعُطِفَ عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِتُمْسَحَ وَلَكِنْ لِيُنَبِّهَ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْكَشَّافِ قَوْلُهُ (وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ أَيْ بِأَطْوَلِ الْعِدَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ آيَةٍ تُوجِبُ عِدَّةً عَلَى وَجْهٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ التَّارِيخُ فَإِذَا عُرِفَ تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ، وَقَدْ ثَبَتَ تَأَخُّرُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] عِنْدَهُ حَتَّى دَعَا إلَى الْمُبَاهَلَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُبَاهَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبُهْلَةِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ اللَّعْنَةُ وَيُرْوَى لَاعَنْته. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ اجْتَمَعُوا وَقَالُوا بُهْلَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ فَجَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّأَخُّرَ دَلِيلَ النَّسْخِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْ النَّصَّيْنِ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ، قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي ثَبَتَ دَلَالَةً) إلَى آخِرِهِ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ نُقِلَ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَأَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُمَا يُطْرَحَانِ وَيَرْجِعُ الْمُجْتَهِدُ إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ كَالْوَلِيَّيْنِ عَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُوَلِّيَةِ وَلَا يُعْلَمُ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا أَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ وَكَالْغَرْقَى بَعْضُهُمْ عَلَى الْبَعْضِ، وَفِي الْقَوَاطِعِ لِأَبِي مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيِّ إذَا اقْتَضَى أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ الْحَظْرَ وَالْآخَرُ الْإِبَاحَةَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ وَصَدَقَ الرَّاوِي فِيهِمَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَاظِرَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَعِنْدَنَا يُرَجَّحُ الْمُحَرِّمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَلَا يَرِيبُهُ جَوَازُ تَرْكِ هَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ كَوْنِهِ حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا وَإِنَّمَا يَرِيبُهُ جَوَازُ فِعْلِهِ فَيَجِبُ تَرْكُهُ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَالتَّحْرِيمُ أَوْلَى وَلِأَنَّ مَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ أَوْ أَعْتَقَ إحْدَى إمَائِهِ وَنَسِيَهَا