. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْآخَرِ.

وَقَدْ ثَبَتَ رُجْحَانُ الْخَبَرِ الْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ هَاهُنَا حَتَّى حَكَمَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِحُرْمَةِ لَحْمِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا بِوَرَقَةٍ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِنَجَاسَةِ سُؤْرِهِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا حَكَمُوا بِنَجَاسَةِ سُؤْرِ الضَّبُعِ مَعَ تَعَارُضِ أَخْبَارِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي لَحْمِهَا بِاعْتِبَارِ تَرْجِيحِ الْحُرْمَةِ، كَيْفَ وَالدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ وَهُوَ حَدِيثُ غَالِبٍ مُؤَوَّلٌ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَكْلِ الثَّمَنِ عَلَى مَا عُرِفَ، أَوْ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ عَلَى مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ قَدْ «أَصَابَتْنَا سَنَةٌ وَإِنَّ سَمِينَ مَالِنَا فِي الْحَمِيرِ فَقَالَ كُلُوا مِنْ سَمِينِ مَالِكُمْ» ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ التَّعَارُضِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُجَّتَيْنِ أَوْ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لِنَصْبِ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ غَيْرُ فَرْعٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ أَصْلٌ يُلْحَقُ بِهِ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا وَهَاهُنَا أَمْكَنَ إلْحَاقُ سُؤْرِ الْحِمَارِ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ فِي النَّجَاسَةِ بِعِلَّةِ حُرْمَةِ الْأَكْلِ أَوْ بِسُؤْرِ الْهِرَّةِ فِي الطَّهَارَةِ بِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَأَنَّى يَكُونُ هَذَا نَصْبُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ سُؤْرَ سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ أُلْحِقَ بِسُؤْرِ الْهِرَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَسُؤْرَ السِّبَاعِ أُلْحِقَ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ فِي النَّجَاسَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَصْبُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً فَكَذَا هَذَا، فَالْأَحْسَنُ فِي بَيَانِ التَّعَارُضِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْأَخْبَارَ تَعَارَضَتْ فِي طَهَارَةِ سُؤْرِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتْ الْحُمُرُ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاعُ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ وَرَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ.

وَقَدْ تَعَارَضَتْ الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَصْلُحْ الْقِيَاسُ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ السُّؤْرَ إنْ اُعْتُبِرَ بِالْعَرَقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا إذْ الْعَرَقُ طَاهِرٌ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِاللَّبَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَجِسًا إذْ اللَّبَنُ نَجِسٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّعَارُضُ فِي الدَّلَائِلِ وَتَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ الْعَمَلِ بِهَا بَقِيَ الِاشْتِبَاهُ وَصَارَ الْحُكْمُ مُشْكِلًا فَوَجَبَ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ وَهُوَ إثْبَاتُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ مَا كَانَ طَاهِرًا وَلَا يَطْهُرُ بِهِ مَا كَانَ نَجِسًا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ أَوْ النَّجَاسَةَ عُرِفَتْ ثَابِتَةً بِيَقِينٍ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَحْمَهُ حَرَامٌ بِلَا إشْكَالٍ وَحُرْمَةُ لَحْمِهِ تَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ لَكِنَّ الضَّرُورَةَ أَوْجَبَتْ سُقُوطَ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ الْحِمَارَ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ وَيَشْرَبُ مِنْ الْأَوَانِي كَالْهِرَّةِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ دُونَهَا فِي الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَضَايِقَ الَّتِي تَدْخُلُهَا الْهِرَّةُ فَلَوْ انْتَفَتْ الضَّرُورَةُ أَصْلًا لَكَانَ سُؤْرُهُ نَجِسًا لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ كَسُؤْرِ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ طَوْفَ الْكَلْبِ حَوْلَ الْأَبْوَابِ لَا فِي دَاخِلِ الدَّارِ وَالْبُيُوتِ وَلَوْ تَحَقَّقَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا وَطَهُورًا كَسُؤْرِ الْهِرَّةِ فَلَمَّا اسْتَوَى الْوَجْهَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ تَسَاقَطَا وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا كَانَ ثَابِتًا وَالثَّابِتُ قَبْلَ التَّعَارُضِ شَيْئَانِ الطَّهَارَةُ فِي جَانِبِ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةُ فِي جَانِبِ اللُّعَابِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَبَقِيَ مُشْكِلًا فَلَا يَطْهُرُ مَا كَانَ نَجِسًا وَلَا يَنْجُسُ مَا كَانَ طَاهِرًا.

بِخِلَافِ الْمَاءِ إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِنَجَاسَتِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015