وَمَنْ طَلَبَهَا فِي مَظَانِّهَا وَقَفَ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ الْحِجَجُ الَّتِي ذَكَرْنَا وُجُوهَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا تَتَعَارَضُ فِي أَنْفُسِهَا وَضْعًا وَلَا تَتَنَاقَضُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ الْفُجَّرِ الْحُدَّثِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا لِجَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ مِنْ الْمَنْسُوخِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَهَذَا (بَابُ الْمُعَارَضَةِ)
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّعَارُضَ لَيْسَ بِأَصْلٍ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ طَلَبُ مَا يَدْفَعُ التَّعَارُضَ، وَإِذَا جَاءَ الْعَجْزُ وَجَبَ إثْبَاتُ حُكْمِ التَّعَارُضِ وَهَذَا الْفَصْلُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَعْرِفَةُ التَّعَارُضِ لُغَةً وَشَرْطِهِ وَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ شَرِيعَةً أَمَّا مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ لُغَةً فَالْمُمَانَعَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ يُقَالُ عَرَضَ إِلَيَّ بِكَذَا أَيْ اسْتَقْبَلَنِي بِصَدٍّ وَمَنْعٍ سُمِّيَتْ الْمَوَانِعُ عَوَارِضُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ الْغَرِيبِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَعَمَلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إيَّاهُ وَنَحْوِهَا.
وَمَنْ طَلَبَهَا أَيْ وُجُوهَ الطَّعْنِ عَلَى الصِّحَّةِ فِي مَظَانِّهَا أَيْ مَوَاضِعِهَا وَهِيَ كُتُبُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَمَظِنَّةُ الشَّيْءِ مَوْضِعُهُ وَمَأْلَفُهُ الَّذِي يُظَنُّ كَوْنُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ (لَا تَتَعَارَضُ فِي أَنْفُسِهَا وَضْعًا وَلَا تَتَنَاقَضُ) فَالتَّنَاقُضُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وُجُودُ الدَّلِيلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ لِمَانِعٍ أَوْ لَا لِمَانِعٍ، وَعِنْدَ مَنْ جَوَّزَهُ هُوَ وُجُودُ الدَّلِيلِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ بِلَا مَانِعٍ، وَالتَّعَارُضُ تَقَابُلُ الْحُجَّتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ فَالتَّنَاقُضُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الدَّلِيلِ وَالتَّعَارُضُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ الدَّلِيلُ، هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النُّصُوصِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ فَإِنَّ تَخَلُّفَ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَانِعٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَانِعُ مُعَارِضًا لِلدَّلِيلِ فِيمَا تَخَلَّفَ عَنْهُ.
وَكَذَا إذَا تَعَارَضَ النَّصَّانِ يَكُونُ الْحُكْمُ مُتَخَلِّفًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لَا مَحَالَةَ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ فَلِذَلِكَ جَمَعَ الشَّيْخُ بَيْنَهُمَا كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْمُتَرَادِفَيْنِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي الْكَلَامِ فِي عَامَّةِ الِاصْطِلَاحَاتِ هُوَ اخْتِلَافُ كَلَامَيْنِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صِدْقًا وَالْآخَرُ كَذِبًا وَهَذَا هُوَ عَيْنُ التَّعَارُضِ فَيَكُونُ كِلَاهُمَا بِمَعْنًى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ التَّعَارُضَ وَالتَّنَاقُضَ مِنْ عَلَامَاتِ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَامَ حُجَّةً مُتَنَاقِضَةً عَلَى شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ حُجَّةٍ غَيْرِ مُتَنَاقِضَةٍ وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ حُكْمًا بِدَلِيلٍ عَارَضَهُ دَلِيلٌ آخَرُ يُوجِبُ خِلَافَهُ كَانَ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ دَلِيلٍ سَالِمٍ عَنْ الْمُعَارَضَةِ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُوصَفَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذِهِ الْحُجَجِ وَالتَّنَاقُضُ أَيْ التَّنَاقُضُ الَّذِي اسْتَلْزَمَهُ التَّعَارُضُ لِجَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا فَيَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْمُتَأَخِّرِ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ التَّارِيخُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ ظَاهِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَمَكَّنَ التَّعَارُضُ فِي الْحُكْمِ حَقِيقَةً.
فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: أَيْ التَّعَارُضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ بَيَانِ شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا: أَيْ الَّذِي نَشْرَعُ فِيهِ.
[بَابُ الْمُعَارَضَةِ]
[بَاب الْمُعَارَضَة]
أَيْ بَابُ بَيَانِهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا الْفَصْلُ) أَيْ فَصْلُ بَيَانِ الْمُعَارَضَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فِي الْأَصْلِ أَيْ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْجِنْسِ إلَى أَنْوَاعِهِ كَتَقْسِيمِ الْحَيَوَانِ إلَى إنْسَانٍ وَفَرَسٍ وَحِمَارٍ وَغَيْرِهَا لِيُشْتَرَطَ فِيهِ اشْتِرَاطُ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ كَتَقْسِيمِ الْإِنْسَانِ إلَى حَيَوَانٍ وَنَاطِقٍ فَإِنَّ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ بَيَانُ الْمُعَارَضَةِ، وَالْبَيَانُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِبَيَانِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فَكَانَ بَيَانُ كُلِّ قِسْمٍ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْبَيَانِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ اشْتِرَاطُ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ.
قَوْلُهُ (وَرُكْنُ الْمُعَارَضَةِ كَذَا) رُكْنُ الشَّيْءِ مَا لَا وُجُودَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا بِهِ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْمَاهِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْقِيَامُ رُكْنُ الصَّلَاةِ وَيُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِهَا كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ