وَمِنْ ذَلِكَ طَعْنُهُمْ بِالتَّلْبِيسِ عَلَى مَنْ كَنَّى عَنْ الرَّاوِي وَلَوْ يُسَمِّهِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ مِثْلُ قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الثِّقَةَ وَغَيْرَ الثِّقَةِ وَمِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالزُّهْرِيُّ وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، هَذَا بَيَانُ التَّدْلِيسِ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ التَّدْلِيسَ بِتَرْكِ اسْمِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ لِلْجَرْحِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الرَّاوِي تَقْتَضِي أَنَّهُ مَا تَرَكَ ذِكْرَهُ إلَّا لِأَنَّهُ عَدْلٌ ثِقَةٌ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُرْسَلِ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى تَعْدِيلِهِ صَرِيحًا وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَرْوُونَ أَحَادِيثَ وَيَتْرُكُونَ أَسَامِي رُوَاتِهَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُرْسَلِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْخَبَرِ لَمَا اسْتَجَازُوا ذَلِكَ.
وَكَذَا التَّدْلِيسُ بِالْكِنَايَةِ عَنْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ الَّذِي سَمَّاهُ الشَّيْخُ تَلْبِيسًا؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ التَّرْكِ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الْحَدِيثِ فَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ وَغِشٌّ فَيُقْدَحُ فِي الظَّنِّ، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ هَذَا جَرْحًا إذَا اُسْتُفْسِرَ فَلَمْ يُفَسِّرْ، فَأَمَّا الْعَنْعَنَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ مِنْ التَّدْلِيسِ فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَلَكِنْ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ هِيَ لَيْسَتْ بِتَدْلِيسٍ فَإِنَّ أَبَا عَمْرٍو قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْإِسْنَادَ الْمُعَنْعَنَ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ عُدَّ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ قَبِيلِ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ اتِّصَالُهُ بِغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ. قَالَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ وَأَوْدَعَهُ الْمُشْتَرِطُونَ لِلصَّحِيحِ فِي تَصَانِيفِهِمْ فِيهَا وَقَبِلُوهُ وَادَّعَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي الْمُقْرِئُ الْحَافِظُ إجْمَاعَ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ أُضِيفَتْ الْعَنْعَنَةُ إلَيْهِمْ قَدْ ثَبَتَتْ مُلَاقَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مَعَ بَرَاءَتِهِمْ عَنْ وَصْمَةِ التَّدْلِيسِ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِ الِاتِّصَالِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُعَنْعَنَةَ مُتَّصِلَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَدْلِيسٌ قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا لَا يَصْلُحُ جَرْحًا طَعْنُهُمْ بِالتَّدْلِيسِ عَلَى مَنْ كَنَّى عَنْ الرَّاوِي أَيْ أَبْهَمَ رَاوِيَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ، وَلَمْ يُسَمِّهِ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ الَّذِي عُرِفَ بِهِ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ أَيْ إلَى أَبِيهِ وَقَبِيلَتِهِ فَلَمْ يَقُلْ أَخْبَرَنِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، وَهُوَ أَيْ قَوْلُهُ أَبُو سَعِيدٍ يَحْتَمِلُ الثِّقَةَ وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الزَّاهِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرَ الثِّقَةِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ فِيمَا أَظُنُّهُ وَمِثْلَ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ يَرْوِي التَّفْسِيرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ الْكَلْبِيُّ يُدَلِّسُ بِهِ مُوهِمًا أَنَّهُ سَعِيدٌ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ نَظَائِرِهِ رَجُلَانِ بَصْرِيَّانِ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَحَدُهُمَا يُكَنَّى أَبَا رَبِيعَةَ وَكَانَ مَتْرُوكَ الْحَدِيثِ يَرْوِي عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَالْآخَرُ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ كَانَ ثِقَةً يَرْوِي عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعٌ وَأَبُو نُعَيْمٍ فَيُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الرِّوَايَةِ بِالْكُنْيَةِ، وَرَجُلَانِ بِالْكُوفَةِ اسْمُ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ أَحَدُهُمَا غَنَوِيٌّ وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ وَالْآخَرُ ثِقَةٌ وَهُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ.
1 -
قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا) أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنَّمَا أَبْهَمَ لِخُشُونَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ التَّعْدِيلَ عَلَى الْإِبْهَامِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمُعَدَّلِ بِأَنْ قَالَ الرَّاوِي حَدَّثَنَا الثِّقَةُ أَوْ مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ أَوْ مَنْ لَا أَثِقُ بِهِ هَلْ يُكْتَفَى بِهِ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثِقَةً عِنْدَهُ، وَقَدْ اطَّلَعَ