وَكَذَلِكَ لَمَّا امْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ الْقِسْمَةِ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ عُلِمَ أَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ حَتْمًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ هُمْ شَهِدُوا بِهَا وَهُمْ نُهُوا عَنْهَا وَمَا عَنْ رَأْيِهِمْ رَغْبَةٌ وَلَا فِي نُصْحِهِمْ تُهْمَةٌ، فَإِنْ قِيلَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يَعْمَلْ بِأَخْذِ الرَّكْبِ بَلْ عَمِلَ بِالتَّطْبِيقِ وَلَمْ يُوجِبْ جَرْحًا قُلْنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ الْوَضْعَ لَكِنَّهُ رَأَى رُخْصَةً وَرَأَى التَّطْبِيقَ عَزِيمَةً وَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ عِنْدَنَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحَابَةِ بِاعْتِبَارِ انْقِطَاعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ؛ لِأَنَّا تَلَقَّيْنَا الدِّينَ مِنْهُمْ فَيَبْعُدُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُظَنُّ بِهِمْ مُخَالَفَةُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالٍ فَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ فِيهِ أَنَّ مَنْ خَالَفَ عَلِمَ انْتِسَاخَهُ أَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ لَمْ يَجِبْ حَتْمًا.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ لَمَّا امْتَنَعَ عُمَرُ) إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً وَقَهْرًا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَيُقَسِّمَهُمْ وَأَرَاضِيِهِمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَهُ أَنْ يَدَعَهُمْ أَحْرَارًا يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَيَتْرُكَ الْأَرَاضِي عَلَيْهِمْ بِالْخَرَاجِ وَلَا يَقْسِمَهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ فِي الرِّقَابِ دُونَ الْأَرَاضِي؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ خَيْبَرَ حِينَ فَتَحَهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ» وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ فَتَحَهَا، وَلِعُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا فَتَحَ السَّوَادَ قَهْرًا وَعَنْوَةً مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فِي رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ فِي أَرَاضِيِهِمْ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ قِسْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ وَغَيْرَهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ حِينَ افْتَتَحَهَا عَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا حَتْمًا مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا فِي الْغَنَائِمِ إذْ لَوْ كَانَ حَتْمًا لَمَا امْتَنَعَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ مِرَارًا ثُمَّ جَمَعَهُمْ فَقَالَ أَمَّا إنِّي لَوْ تَلَوْت مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتَغْنَيْت بِهَا عَنْكُمْ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] ثُمَّ قَالَ أَرَى لِمَنْ بَعْدَكُمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ نَصِيبًا وَلَوْ قَسَمْتهَا بَيْنَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِمَا بَعْدَكُمْ نَصِيبٌ فَمَنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ لَهُمْ وَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ لِقِلَّةِ بَصَرِهِمْ بِفِقْهِ الْآيَةِ فَقَدْ كَانُوا أَصْحَابَ الظَّوَاهِرِ دُونَ الْمَعْنَى فَلَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُهُمْ مَعَ إجْمَاعِ أَهْلِ الْفِقْهِ مِنْهُمْ وَلَمْ يُحْمَدُوا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَكْفِنِي بِلَالًا وَأَصْحَابَهُ فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ أَيْ مَاتُوا جَمِيعًا، التَّطْبِيقُ أَنْ يَضُمَّ الْمُصَلِّي إحْدَى الْكَفَّيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَيُرْسِلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي السُّؤَالِ لَمْ يُعْمَلْ بِأَخْذِ الرُّكَبَ أَيْ بِحَدِيثِ أَخْذِ الرُّكَبِ وَذَكَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ الْوَضْعَ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يُنْكِرْ الْأَخْذَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأَخْذُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «سَنَنْتُ لَكُمْ الرُّكَبُ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ» .
وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «يَا مَعْشَرَ النَّاسِ أُمِرْنَا بِالرُّكَبِ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْوَضْعُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ» .
وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا» لَكِنَّهُ رَآهُ أَيْ رَأَى الْوَضْعَ أَوْ الْأَخْذَ رُخْصَةً أَيْ رُخْصَةَ تَرْفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْحَقُهُمْ الْمَشَقَّةُ فِي التَّطْبِيقِ مَعَ طُولِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ السُّقُوطَ عَلَى الْأَرْضِ فَأُمِرُوا بِالْأَخْذِ بِالرُّكَبِ تَيْسِيرًا عَلَيْهِمْ كَرُخْصَةِ الْإِفْطَارِ فِي السَّفَرِ لَا تَعْيِينًا عَلَيْهِمْ بِالْأَخْذِ بِالرُّكَبِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ أَيْ الْوَضْعَ أَوْ الْأَخْذَ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ عِنْدَنَا كَرُخْصَةِ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَلَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ وَهُوَ