قِفْ.
وَإِذَا صَحَّ السَّمَاعُ وَجَبَ الْحِفْظُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ نَوْعَانِ أَيْضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رِسَالَتِهِ إنَّ سَمَاعَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ وَلِمُبَاشَرَتِهِ وَاقْتِبَاسِهِ حُرْمَةٌ قَوِيَّةٌ فَلَا يُبَاشِرُ إلَّا بِالتَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ وَلَا يُقَدَّمُ إلَّا عَلَيْهِ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ قَالَ وَلَقِيت مِنْ مَشَايِخِي مَنْ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ كُتُبِهِ وَالْمَوَاضِعَ الْمَعْهُودَةَ لِكُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا بِالطَّهَارَةِ وَلَا يَبِيتُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأَيْت مِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَجِيزُ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ الضَّحِكُ وَالْمِزَاجُ وَالِانْبِسَاطُ وَالْكَلَامُ مَثَلًا بِحَضْرَةِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي مَجْلِسِ الْحَدِيثِ فَهَذَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الْمُرْضِيَةُ فَأَمَّا مَنْ يُجَازِفُ وَيَسْتَخِفُّ بِهَذَا الْأَمْرِ وَيَتَهَاوَنُ بِهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ فَلَا كَرَامَةَ لَهُ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ حَدِيثُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِمَّنْ يَكُونُ مِكْثَارًا مِهْذَارًا صَاحِبَ هَذَيَانٍ وَوُقُوعٍ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ وَغِيبَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا مِمَّنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حِفْظِ لِسَانِهِ مِنْ الْفُحْشِ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الْحَدِيثَ وَالْأَثَرَ مِنْ شَيْخٍ صَالِحٍ عَفِيفٍ وَقُورٍ سَكُوتٍ إلَّا عَمَّا يَعْنِيهِ مِنْ الْكَلَامِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ مُرَاعٍ لِلْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ كَافٍّ لِلِّسَانِ عَمَّا ذَكَرْت وَيَعْرِفُ مَا يَخْرُجُ مِنْ حَدِيثِهِ وَكُتُبِهِ إلَى النَّاسِ وَيَعْرِفُ صَوَابَهُ مِنْ خَطَئِهِ وَيَغْلِبُ صَوَابُهُ عَلَى خَطَئِهِ وَيُحْسِنُ مُرَاعَاةَ عَيْنِ سَمَاعِهِ وَالْمُقَابَلَةَ، وَإِذَا خَطَأَ وَنُبِّهَ عَلَيْهِ رَجَعَ إلَى الصَّوَابِ، وَإِذَا كَانَ الْخَطَأُ مِنْ عِنْدِهِ لَا يُلِحُّ وَلَا يَدَّعِي أَنَّهُ كَذَا سَمِعَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَهَذَا أَمْرٌ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّنَزُّهُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَيْقَنُ وَأَعْرَفُ فَهُوَ أَجْبَنُ وَأَخْوَفُ وَمَنْ كَانَ فِيهِ أَجْهَلُ وَأَغْمَرُ فَهُوَ فِيهِ أَغْفَلُ وَأَجْسَرُ.
وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ اعْتِبَارَ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ الشُّرُوطِ فِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَمَشَايِخِهِ قَدْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ بِهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلْيُعْتَبَرْ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى خِصِّيصَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْأَسَانِيدِ وَالْمُجَاوَزَةِ مِنْ انْقِطَاعِ سِلْسِلَتِهَا وَلِيَكْتَفِ فِي أَهْلِيَّةِ الشَّيْخِ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مُتَظَاهِرٍ بِالْفِسْقِ وَالسُّخْفِ وَفِي ضَبْطِهِ بِوُجُودِ سَمَاعِهِ مُثْبَتًا بِخَطٍّ غَيْرَ مُتَّهَمٍ وَبِرِوَايَتِهِ مِنْ أَصْلٍ مُوَافِقٍ لِأَصْلِ شَيْخِهِ وَذُكِرَ عَنْ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي قَدْ صَحَّتْ أَوْ وَقَعَتْ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ قَدْ دُوِّنَتْ وَكُتِبَتْ فِي الْجَوَامِعِ الَّتِي جَمَعَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِهِمْ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَذْهَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ لِضَمَانِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ حِفْظَهَا فَمَنْ جَاءَ الْيَوْمَ بِحَدِيثٍ لَا يُوجَدُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَمَنْ جَاءَ بِحَدِيثٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فَاَلَّذِي يَرْوِيهِ لَا يَنْفَرِدُ بِرِوَايَتِهِ وَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ بِحَدِيثِهِ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَالْقَصْدُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ الْحَدِيثُ مُسَلْسَلًا بِحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَتَبْقَى هَذِهِ الْكَرَامَةُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ شَرَفًا لِنَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَوْلُهُ إلَّا مَا يَقَعُ عَنْ ضَرُورَةِ اسْتِثْنَاءٍ عَنْ قَوْلِهِ يَشْتَغِلُ وَيَعْرِضُ وَيَغْفُلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْ الِاشْتِغَالُ بِالنَّظَرِ وَالْإِعْرَاضُ وَالْغَفْلَةُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الضَّبْطِ وَالسَّمَاعِ إلَّا مِقْدَارُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَهُوَ الْقَلِيلُ فَإِنَّهُ جُعِلَ عَفْوًا؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا صَحَّ السَّمَاعُ) ذَكَرَ فِي طَرَفِ السَّمَاعِ قِسْمًا آخَرَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْحِفْظُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قِسْمٌ آخَرُ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ جَعَلَهُ مِنْ تَوَابِعِ السَّمَاعِ فَقَالَ: وَإِذَا صَحَّ السَّمَاعُ أَيْ حَصَلَ إمَّا بِقِرَاءَةِ الْمُحَدِّثِ أَوْ بِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِالْكِتَابِ إلَيْهِ أَوْ بِالرِّسَالَةِ أَوْ بِالْإِجَازَةِ أَوْ بِالْمُنَاوَلَةِ وَجَبَ حِفْظُ الْمَسْمُوعِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ السَّمَاعِ الْعَمَلُ وَالتَّبْلِيغُ وَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ الْحِفْظِ " وَذَلِكَ أَيْ الْحِفْظُ نَوْعَانِ أَيْضًا