وَمِثَالُ هَذَا مَسُّ الذَّكَرِ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكِتَابَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] وَالْمُسْتَنْجِي يَمَسُّ ذَكَرَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ حَدَثًا وَمِثْلُ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي النَّفَقَةِ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكِتَابَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةُ. وَمَعْنَاهُ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْكِتَابِ أَحَقُّ مِنْ نَصِّ الْآحَادِ وَكَذَلِكَ مِمَّا خَالَفَ الْكِتَابَ مِنْ السُّنَنِ أَيْضًا حَدِيثُ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِنَوْعَيْنِ بِرَجُلَيْنِ بِقَوْلِهِ {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَبِقَوْلِهِ {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَمِثْلُ هَذَا إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمِلَ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ وُقُوعِ الْحَادِثَةِ وَبَعْضُهُمْ رَدَّ الْقِيَاسَ أَصْلًا وَعَمِلَ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي الْحَوَادِثِ فَالشَّيْخُ أَشَارَ إلَى فَسَادِ الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا، فَقَدْ أَبْطَلَ الْيَقِينَ يَعْنِي بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْأَوَّلُ فَتْحُ بَابِ الْجَهْلِ وَالْإِلْحَادِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحُجَّةِ وَالْأَخْذَ بِالشُّبْهَةِ أَوْ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عُدُولٌ عَنْ الصَّوَابِ وَمَنْشَؤُهُ الْجَهْلُ، وَالثَّانِي: وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْآحَادِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَنَسْخِهِ فَتْحُ بَابِ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَعْمَلُوا بِالْآحَادِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا حَكَيْنَا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا بِكَذَا.

قَوْلُهُ (وَمِثَالُ هَذَا) أَيْ مِثَالُ الِانْقِطَاعِ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فَإِنَّهُ نَزَلَ فِيهِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَزَلَتْ الْآيَةُ مَشَى إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَإِذَا الْأَنْصَارُ جُلُوسٌ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَا الَّذِي تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الْغَائِطِ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ نُتْبِعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ فَتَلَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] » وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَسِّ الْفَرْجَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ مِنْ التَّطَهُّرِ فَلَوْ جُعِلَ الْمَسُّ حَدَثًا لَا يُتَصَوَّرَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِنْجَاءُ تَطَهُّرًا؛ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْحَدَثِ فَلَا يَحْصُلُ مَعَ إثْبَاتِ حَدَثٍ آخَرَ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمِ وَالْبَوْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نَجْعَلُهُ تَطَهُّرًا عَنْ الْحَدَثِ لِيَكُونَ الْمَسُّ مُنَافِيًا لَهُ بَلْ هُوَ تَطَهُّرٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ تَطْهِيرِ الثَّوْبِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ اسْتَحَقُّوا الْمَدْحَ لَا بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ إذْ الْكُلُّ كَانُوا فِيهَا سَوَاءً وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ لَا تَزُولُ بِالْمَسِّ كَمَا لَوْ فَسَا أَوْ رَعَفَ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الِاسْتِنْجَاءَ تَطَهُّرًا مُطْلَقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَطَهُّرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَوْ جَعَلَ الْمَسَّ حَدَثًا لَا يَكُونُ تَطَهُّرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَخْلُو هَذَا الْجَوَابُ عَنْ ضَعْفٍ.

1 -

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَحَدِيثِ الْمَسِّ وَحَدِيثِ فَاطِمَةَ حَدِيثُ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ يَمِينُ الْمُدَّعِي، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَعُلَمَاؤُنَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] أَمَرَ بِالِاسْتِشْهَادِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ مَا هُوَ شَهَادَةٌ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ كُلٌّ يَكُونُ مُجْمَلًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَوْعَيْنِ بِرَجُلَيْنِ وَبِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَمَّا عَلَى الْمُسَاوَاةِ أَوْ التَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ اقْتِصَارُ الِاسْتِشْهَادِ الْمَطْلُوبِ بِالْأَمْرِ عَلَى النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَلَ إذَا فُسِّرَ كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِجَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: كُلْ طَعَامَ كَذَا أَوْ طَعَامَ كَذَا، كَانَ التَّفْسِيرُ اللَّاحِقُ بَيَانًا لِجَمِيعِ مَا أُرِيدَ مِنْ الْمَأْكُولِ بِقَوْلِهِ كُلْ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ تَفَقَّهْ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ كَانَ التَّفْسِيرُ الْمُلْحَقُ بِهِ قَصْرَ الْأَمْرِ بِالتَّفَقُّهِ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يَكُونَ التَّفَقُّهُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَمْرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اسْتَشْهِدْ زَيْدًا عَلَى صَفْقَتِك أَوْ خَالِدًا. لَمْ يَكُنْ اسْتِشْهَادُ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَأْمُورِ اسْتِشْهَادًا لِحُكْمِ الْأَمْرِ لَا مَحَالَةَ بَلْ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015