وَرَدَّهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا خَالَفَ رَأْيَهُ، وَقَالَ: مَا نَصْنَعُ بِقَوْلِ أَعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ وَلَمْ يَعْمَلْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا هُوَ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ الْقِيَاسَ عِنْدَنَا؛ وَإِنَّمَا يُتْرَكُ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ فَثَبَتَ بِرِوَايَتِهِمْ عَدَالَتُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ قَرْنِ الْعُدُولِ فَلِذَلِكَ صَارَ حُجَّةً، وَسَاعَدَهُ عَلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ مِنْهُمْ أَبُو الْجَرَّاحِ وَغَيْرُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ أَرَى فِيهَا مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ فِيهِ، وَلَا شَطَطَ أَيْ لَا نَقْصَ وَلَا مُجَاوَزَةَ حَدٍّ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ وَأَبُو الْجَرَّاحِ صَاحِبُ رَايَةِ الْأَشْجَعِيِّينَ وَقَالَا: نَشْهَدُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةِ مِنْ بَنِي رَآَّسِ بْنِ كِلَابٍ بِمِثْلِ قَضَائِك هَذَا وَقَدْ كَانَ هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ مَاتَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ فَرْضِ مَهْرٍ وَدُخُولٍ» فَسُرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ سُرُورًا لَمْ يُسَرَّ مِثْلَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ لِمَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرَدَّهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ مَا نَصْنَعُ بِقَوْلِ إعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ وَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ أَخَذْنَا بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي قَوْلِهِ لَمَّا خَالَفَ رَأْيَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ الَّذِي عِنْدَهُ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهَا سَالِمًا فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عِوَضًا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَعَلَ الرَّأْيَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مِثْلِ هَذَا الْمَجْهُولِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا أَيْضًا كَمَا سَنُبَيِّنُ وَقِيلَ إنَّمَا رَدَّهُ لِمَذْهَبٍ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ تَخَلُّفَ الرَّاوِي وَلَمْ يَرَ هَذَا الرَّجُلَ لِتَخَلُّفِهِ.
وَقَوْلُهُ أَعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ غَلَبَ فِيهِمْ الْجَهْلُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَسُكَّانِ الرِّمَالِ إذْ مِنْ عَادَتِهِمْ الِاحْتِبَاءُ فِي الْجُلُوسِ مِنْ غَيْرِ إزَارٍ وَالْبَوْلُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي جَلَسُوا فِيهِ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِإِصَابَتِهِ أَعْقَابَهُمْ وَذَلِكَ مِنْ الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الِاحْتِيَاطِ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ بِرْوَعَ اسْمُ امْرَأَةٍ وَهِيَ بِرْوَعَ بِنْتُ وَاشِقٍ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْوَلٌ إلَّا خِرْوَعٌ وَعِتْوَدٌ اسْمُ وَادٍ وَاعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْمَجْهُولِ مَرْدُودٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَدُّوا أَخْبَارَ الْمَجَاهِيلِ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدَّ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدَّ خَبَرَ الْأَشْجَعِيَّ وَمَنْ رَدَّ خَبَرَ الْمَجْهُولِ مِنْهُمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى رَدِّهِ وَعِنْدَنَا خَبَرُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ كَانَتْ أَصْلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» الْحَدِيثَ «وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مِنْ غَيْرِ تَفَحُّصٍ عَنْ عَدَالَتِهِ؛ وَإِنَّمَا تَفَحَّصَ عَنْ إسْلَامِهِ فَقَطْ فَقَالَ حِينَ أَخْبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالصَّوْمِ» : وَهَذَا يَرُدُّ تَأْوِيلَهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ عَدَالَتَهُ إمَّا بِالْوَحْيِ أَوْ بِالْخِبْرَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِإِسْلَامِهِ فَكَيْفَ بِعَدَالَتِهِ وَأَمَّا رَدُّ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَخْبَارَ الْمَجَاهِيلِ فَبِنَاءً عَلَى عَوَارِضَ عَلَى مَا عُرِفَ كَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ ثُمَّ هُوَ مُنْقَسِمٌ عَلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مَقْبُولٌ لِمَا بَيَّنَّا.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ، وَإِنْ عَمِلَ الرَّاوِي بِالْخَبَرِ كَانَ ذَلِكَ تَعْدِيلًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجِبِ الْخَبَرِ لَا لِأَجْلِ الْخَبَرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِسْمُ الثَّانِي مَقْبُولًا بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِمْ السُّكُوتُ عِنْدَ مَعْرِفَةِ بُطْلَانِهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقِسْمَ الرَّابِعَ مَرْدُودٌ فَكَانَ الْقِسْمُ الْخَامِسُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ كَذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَيْهِ يُشِيرُ، قَوْلُهُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْقِسْمِ دُونَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَيُقْبَلُ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُقْبَلُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَارَضَ الْقَبُولَ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَصِيرُ الْخَبَرُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ لَمْ يَلْحَقْهُ