. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQانْسِدَادِ بَابِ الرَّأْيِ، مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِثَالُ مَا ذَكَرْنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» وَيُرْوَى بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ وَيُرْوَى «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» الْحَدِيثَ وَالتَّصْرِيَةُ فِي اللُّغَةِ الْجَمْعُ يُقَالُ صَرَيْت الْمَاءَ وَصَرَّيْتُهُ أَيْ جَمَعْتُهُ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الْحَدِيثِ جَمْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ بِالشَّدِّ وَتَرْكُ الْحَلْبِ مُدَّةً لِيَتَخَيَّلَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا غَزِيرَةُ اللَّبَنِ وَالتَّحْفِيلُ بِمَعْنَاهَا أَيْضًا وَقَوْلُهُ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ قِيلَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْحَلْبَةِ الْأُولَى وَالنَّظَرُ الْآخَرُ عِنْدَ الْحَلْبَةِ الْأُخْرَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ نَظَرُهُ لِنَفْسِهِ بِالِاخْتِيَارِ وَالْإِمْسَاكِ، وَنَظَرُهُ لِلْبَائِعِ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ ثُمَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ التَّصْرِيَةَ عَيْبًا حَتَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا تَبَيَّنَ بَعْدَ الْحَلْبِ خِلَافَ مَا تَخَيَّلَهُ تَمَسُّكًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ بِمُقَابَلَتِهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِغُرُورٍ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَالْغُرُورُ يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الرُّجُوعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةَ حِنْطَةٍ فَوَجَدَ فِي وَسَطِهَا دُكَّانًا أَوْ اشْتَرَى قُفَّةً مِنْ الثِّمَارِ فَوَجَدَ فِي أَسْفَلِهَا حَشِيشًا.
وَالْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ أَنَّ التَّغْرِيرَ الْفِعْلِيَّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الِالْتِزَامِ اللَّفْظِيِّ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْغَزَارَةَ، وَعِنْدَنَا التَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ الرَّدِّ بِسَبَبِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ وَبِقِلَّةِ اللَّبَنِ لَا يَنْعَدِمُ صِفَةُ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ ثَمَرَةٌ وَبِعَدَمِهَا لَا تَنْعَدِمُ صِفَةُ السَّلَامَةِ فَبِقِلَّتِهَا أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْغُرُورِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُغْتَرٌّ لَا مَغْرُورٌ فَإِنَّهُ ظَنَّهَا غَزِيرَةَ اللَّبَنِ بِنَاءً عَلَى شَيْءٍ مُشْتَبَهٍ فَإِنَّ انْتِفَاخَ الضَّرْعِ قَدْ يَكُونُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّحْفِيلِ وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَادَاتُ النَّاسِ فِي تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ بِالْحِيَلِ فَيَكُونُ هُوَ مُغْتَرًّا فِي بِنَاءِ ظَنِّهِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَكَانَ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُوجِبَيْنِ لِلْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ مُعَارِضًا لِلْإِجْمَاعِ الْمُوجِبِ لِلْعَمَلِ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ مَرْدُودًا؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا يُقْبَلُ مَا لَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَأَمَّا مَا خَالَفَهُ فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ وَأَمَّا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَوْقُ الْكَلَامِ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَانْسَدَّ فِيهِ بَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مُقَدَّرٌ بِالْمِثْلِ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] .
وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ مُقَدَّرٌ بِالْقِيمَةِ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا» عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْعَيْنِ وَتَعَذُّرِ الرَّدِّ ثُمَّ اللَّبَنُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْمِقْدَارِ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فَإِيجَابُ التَّمْرِ مَكَانَهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَمُعَارَضَةً كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ مُتَعَلِّقٌ بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ صَارَ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُعَارِضًا لِلْإِجْمَاعِ أَيْ يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَسْخُ الْكِتَابِ