أَمَّا الْمَعْرُوفُونَ فَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ اُشْتُهِرَ بِالْفِقْهِ وَالنَّظَرِ وَحَدِيثُهُمْ حُجَّةٌ إنْ وَافَقَ الْقِيَاسَ أَوْ خَالَفَهُ فَإِنْ وَافَقَهُ تَأَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يُحْكَى عَنْهُ بَلْ الْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَفِي اتِّصَالِ هَذَا الْحَدِيثِ شُبْهَةٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَبَرَ يَقِينٌ بِأَصْلِهِ؛ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الشُّبْهَةُ فِي نَقْلِهِ وَالرَّأْيُ مُحْتَمَلٌ بِأَصْلِهِ فِي كُلِّ وَصْفٍ عَلَى الْخُصُوصِ فَكَانَ الِاحْتِمَالُ فِي الرَّأْيِ أَصْلًا وَفِي الْحَدِيثِ عَارِضًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ الْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا الْخِلَافَ مُطْلَقًا.

فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْخَبَرُ رَاجِحٌ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاوِي عَالِمًا فَقِيهًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ إنْ كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنْ كَانَ الرَّاوِي عَدْلًا ضَابِطًا عَالِمًا وَجَبَ تَقْدِيمُ خَبَرِهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِلَّا كَانَ مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ.

وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَجَّحَ الْقِيَاسَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ عَمِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الصَّائِمِ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ مِنْ الصَّحَابَةِ الْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ وَرَدُّ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَرْوِي «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» قَالَ لَوْ تَوَضَّأْت بِمَاءٍ سُخْنٍ أَكُنْت تَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَمَّا سَمِعَهُ يَرْوِي «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ أَيَلْزَمُنَا الْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ وَرَدَّ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدِيثَ بِرْوَعَ بِالْقِيَاسِ وَرَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِالْقِيَاسِ وَرَدَّ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ مَا يُرْوَى أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ وَلَدُ الزِّنَا شَرَّ الثَّلَاثَةِ لَمَا اُنْتُظِرَ بِأُمِّهِ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَهَذَا نَوْعُ قِيَاسٍ وَبِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي اتِّصَالِ خَبَرٍ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شُبْهَةٌ فَكَانَ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ أَقْوَى مِنْ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى وَبِأَنَّ الْقِيَاسَ أَثْبَتُ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِجَوَازِ السَّهْوِ وَالْكَذِبِ عَلَى الرَّاوِي، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ وَبِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَالْخَبَرُ يَحْتَمِلُهُ فَكَانَ غَيْرُ الْمُحْتَمَلِ أَوْلَى مِنْ الْمُحْتَمَلِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَدَّمَ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتْرُكُونَ أَحْكَامَهُمْ بِالْقِيَاسِ إذَا سَمِعُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَقَضَ حُكْمًا حَكَمَ فِيهِ بِرَأْيِهِ لِحَدِيثٍ سَمِعَهُ مِنْ بِلَالٍ وَتَرَكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأْيَهُ فِي الْجَنِينِ وَفِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ بِالْحَدِيثِ حَتَّى قَالَ كِدْنَا نَقْضِي فِيهِ بِرَأْيِنَا وَفِيهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَرَكَ رَأْيَهُ فِي عَدَمِ تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَتَرَكَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَأْيَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَنَقَضَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا حَكَمَ بِهِ مِنْ رَدِّ الْغَلَّةِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ «الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» وَفِي نَظَائِرِهِ كَثْرَةٌ.

وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ رَدِّهِمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ فَذَلِكَ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ لَا لِتَرْجِيحِهِمْ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ الْخَبَرَ يَقِينٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا احْتِمَالَ لِلْخَطَأِ فِيهِ؛ وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ النَّقْلُ؛ وَلِهَذَا لَوْ ارْتَفَعَتْ الشُّبْهَةُ كَانَ حُجَّةً قَطْعًا بِمَنْزِلَةِ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالرَّأْيُ مُحْتَمَلٌ بِأَصْلِهِ فِي كُلِّ وَصْفٍ أَيْ كُلِّ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ النَّصِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُكْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَكَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّابِتِ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِمَا هُوَ أَضْعَفُ احْتِمَالًا وَهُوَ الْخَبَرُ أَوْلَى.

وَقَوْلُهُ فَكَانَ الِاحْتِمَالُ فِي الرَّأْيِ أَصْلًا يَعْنِي الْأَصْلَ فِي الرَّأْيِ الِاحْتِمَالُ وَعَدَمُ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ لَا يَتَحَقَّقُ بِطَرِيقِ التَّيَقُّنِ إلَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ عَارِضٌ وَالْيَقِينُ فِي الْخَبَرِ أَصْلٌ؛ لِأَنَّهُ الْكَلَامُ الْمَسْمُوعُ مِنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حُجَّةٌ بِلَا شُبْهَةٍ؛ وَإِنَّمَا تَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015