مِثْلُ خَبَرِ بَرِيرَةَ فِي الْهَدِيَّةِ وَخَبَرِ سَلْمَانَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَذَلِكَ لَا تُحْصَى عَدَدُهُ، وَمَشْهُورٌ عَنْهُ أَنَّهُ بَعَثَ الْأَفْرَادَ إلَى الْآفَاقِ مِثْلَ عَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ وَعَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ وَدَحْيَةَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَكَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنَاسِبِ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ كَوْنُ الْخَبَرِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ مَانِعًا مِنْ الْقَبُولِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّعْلِيلِ فَائِدَةٌ إذْ عِلِّيَّةُ الْوَصْفُ اللَّازِمُ تَمْنَعُ مَنْ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْعَارِضِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ الْمَيِّتُ لَا يَكْتُبُ لِعَدَمِ الدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ عِنْدَهُ يُسْتَقْبَحُ وَيُسَفَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ وَصْفًا لَازِمًا صَالِحًا لِعِلِّيَّةِ امْتِنَاعِ صُدُورِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ اسْتَحَالَ تَعْلِيلُ امْتِنَاعِ الْكِتَابَةِ بِالْوَصْفِ الْعَارِضِ، وَهُوَ عَدَمُ الدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ. وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ التَّمَسُّكَاتِ اعْتِرَاضَاتٌ مَعَ أَجْوِبَتِهَا تَرَكْنَاهَا احْتِرَازًا عَنْ الْإِطْنَابِ.

قَوْلُهُ (مِثْلُ خَبَرِ بَرِيرَةَ فِي الْهَدِيَّةِ) فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبِلَ قَوْلَهَا فِي الْهَدَايَا. وَخَبَرِ سَلْمَانَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ فَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ وَجَعَلَ يَنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ طَالِبًا لِلْحَقِّ حَتَّى قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ لَعَلَّك تَطْلُبُ الْحَنِيفِيَّةَ، وَقَدْ قَرُبَ أَوَانُهَا فَعَلَيْك بِيَثْرِبَ، وَمِنْ عَلَامَةِ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَأَسَرَهُ بَعْضُ الْعَرَبِ وَبَاعَهُ مِنْ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَعْمَلُ فِي نَخِيلِ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا سَمِعَ بِمَقْدِمِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَاهُ بِطَبَقٍ فِيهِ رُطَبٌ وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ صَدَقَةٌ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ فَقَالَ سَلْمَانُ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ الْغَدِ بِطَبَقٍ فِيهِ رُطَبٌ فَقَالَ مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ فَقَالَ هَدِيَّةٌ فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا فَقَالَ سَلْمَانُ هَذِهِ أُخْرَى ثُمَّ تَحَوَّلَ خَلْفَهُ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَادَهُ فَأَلْقَى الرِّدَاءَ عَنْ كَتِفِهِ حَتَّى نَظَرَ سَلْمَانُ إلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَأَسْلَمَ فَقَبِلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْلَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَئِذٍ.

وَذَلِكَ أَيْ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْهُ كَثِيرٌ فَإِنَّهُ قَبِلَ خَبَرَ أُمِّ سَلْمَى فِي الْهَدَايَا أَيْضًا. وَكَانَتْ الْمُلُوكُ يَهْدُونَ إلَيْهِ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ، وَكَانَ يَقْبَلُ قَوْلَهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِهْدَاءَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَيْدِي قَوْمٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ. وَكَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى خَبَرِهِ أَنِّي مَأْذُونٌ. وَقَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْهِلَالِ، وَقَبِلَ خَبَرَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ حِينَ بَعَثَهُ سَاعِيًا إلَى قَوْمٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ ارْتَدُّوا حَتَّى أَجْمَعَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى غَزْوِهِمْ وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ، وَكَانَ يَقْبَلُ إخْبَارَ الْجَوَاسِيسِ وَالْعُيُونِ الْمَبْعُوثَةِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.

وَمَشْهُورٌ عَنْهُ أَيْ قَدْ اُشْتُهِرَ وَاسْتَفَاضَ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ بَعَثَ الْأَفْرَادَ إلَى الْآفَاقِ لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَتَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ. فَإِنَّهُ بَعَثَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْيَمَنِ أَمِيرًا. وَبَعْدَهُ بَعَثَ مُعَاذًا أَيْضًا إلَى الْيَمَنِ أَمِيرًا لِتَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ. وَبَعَثَ دَحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ بِكِتَابِهِ إلَى قَيْصَرَ أَوْ هِرَقْلَ بِالرُّومِ. وَبَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ إلَى مَكَّةَ أَمِيرًا مُعَلِّمًا لِلشَّرَائِعِ. وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ بِكِتَابِهِ إلَى كِسْرَى. وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلَى الْحَبَشَةِ. وَعُثْمَانَ بْنَ الْعَاصِ إلَى الطَّائِفِ. وَحَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة. وَشُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ بِدِمَشْقَ. وَسَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ إلَى هَوْذَةَ بْنِ خَلِيفَةَ بِالْيَمَامَةِ.، وَأَنْفَذَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ.

وَوَلَّى عَلَى الصَّدَقَاتِ عُمَرَ وَقَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ، وَمَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015