وَكَذَلِكَ أَخْبَارُ الْيَهُودِ مَرْجِعُهَا إلَى الْآحَادِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَةَ نَفَرٍ دَخَلُوا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَصْلُوبُ فَلَا يُتَأَمَّلُ عَادَةً مَعَ تَغَيُّرِ هَيْئَاتِهِ وَعَلَى أَنَّهُ أُلْقِيَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَبَهُهُ كَمَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى، {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157]
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ خِلَافِ الْعَادَةِ لَا يَجُوزُ عَلَى يَدِ الْمُتَنَبِّي إذَا ادَّعَى شَيْئًا لَا يَرُدُّهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ أَدَّى إلَى اشْتِبَاهِ أَمْرِ النُّبُوَّةِ فَأَمَّا إذَا ادَّعَى مَا يَدُلُّ الْعَقْلُ عَلَى كَذِبِهِ وَبُطْلَانِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَى يَدِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ اسْتِدْرَاجًا كَمَا يَجُوزُ ظُهُورُهُ عَلَى يَدِ الْمُتَأَلِّهِ لِعَدَمِ تَأْدِيَتِهِ حِينَئِذٍ إلَى اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الْخَمْسَةَ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ، وَظَهَرَ عَلَى يَدِهِ خِلَافُ عَادَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ ثُمَّ إنَّ اللَّعِينَ ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ أَصْلَيْنِ قَدِيمَيْنِ يزدان وآهرمن، وَهَذَا قَوْلٌ بَيِّنُ التَّنَاقُضِ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ عُرِفَ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ فَسَادُهُ وَبُطْلَانُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَى يَدَيْهِ خِلَافُ الْعَادَةِ اسْتِدْرَاجًا لِظُهُورِ كَذِبِ دَعْوَاهُ كَمَا يَجُوزُ ظُهُورُهُ عَلَى يَدَيْ الدَّجَّالِ اللَّعِينِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْأَثَرُ قَوْلُهُ.
(وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ أَخْبَارِ الْمَجُوسِ أَخْبَارُ الْيَهُودِ مَرْجِعُهَا إلَى الْآحَادِ فَإِنَّ الَّذِينَ دَخَلُوا عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ كَانُوا سَبْعَةَ نَفَرٍ أَوْ سِتَّةً، وَاحْتِمَالُ التَّوَطُّؤِ عَلَى الْكَذِبِ فِيهِمْ ثَابِتٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْمَسِيحَ بِحِلْيَتِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلُوا لِرَجُلٍ جُعَلًا فَدَلَّهُمْ عَلَى شَخْصٍ فِي بَيْتٍ فَهَجَمُوا عَلَيْهِ، وَقَتَلُوهُ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَتَلُوا عِيسَى، وَأَشَاعُوا الْخَبَرَ وَبِمِثْلِهِ لَا يَحْصُلُ التَّوَاتُرُ. وَكَذَلِكَ أَخْبَارُ النَّصَارَى بِقَتْلِهِ لَمْ تَثْبُتْ بِالتَّوَاتُرِ فَإِنَّ خَبَرَ قَتْلِهِ مِنْهُمْ مُسْنَدٌ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ يُوحَنَّا، وَمَتَى وَلُوقَا، وَمَرْعَشُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يُوحَنَّا وَيُوَفِّنَا، وَمَتَى، وَمَارْقِيشَ وَيَتَحَقَّقُ الْكَذِبُ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَصْلُوبُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الصَّلْبُ أَمْرٌ مُعَايَنٌ، وَقَدْ شَاهَدَهُ جَمَاعَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَقَالَ الْمَصْلُوبُ يُنْظَرُ مِنْ بَعِيدٍ، وَلَا يُتَأَمَّلُ فِيهِ عَادَةً؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَنْفِرُ عَنْ التَّأَمُّلِ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْحِلْيَةَ وَالْهَيْئَةَ تَتَغَيَّرُ بِهِ أَيْضًا فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّوَاتُرَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صَلْبِهِ كَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي قَتْلِهِ عَلَى أَنَّ الْعِيسَوِيَّةَ مِنْ النَّصَارَى، وَهُوَ فِرْقَةٌ كَثِيرَةٌ تُوَافِقُنَا أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُقْتَلْ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْهِ نَصَارَى الْحَبَشَةِ، وَفِي الْيَهُودِ مَنْ يَقُولُ بِهِ أَيْضًا كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ.
وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أُلْقِيَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَبَهُهُ جَوَابٌ آخَرُ لِلسُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوَاتُرَ فِي قَتْلِ رَجُلٍ ظَنُّوهُ عِيسَى وَصَلْبُهُ قَدْ وُجِدَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يَكُنْ عِيسَى، وَإِنَّمَا كَانَ مُشَبَّهًا بِهِ كَمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] . وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُرِيدُ مِنْكُمْ أَنْ يُلْقِيَ اللَّهُ شَبَهِي عَلَيْهِ فَيُقْتَلَ، وَلَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى شَبَهَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقُتِلَ الرَّجُلُ وَرُفِعَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى السَّمَاءِ» .
ثُمَّ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِلْقَاءِ الشَّبَهِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْحَقَائِقِ كَمَا قَالَهُ السُّوفِسْطَائِيَّة فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ إلْقَاءُ شَبَهِ عِيسَى عَلَى غَيْرِهِ جَازَ إلْقَاءُ شَبَهِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى غَيْرِهِ. وَيُؤَدِّي أَيْضًا إلَى أَنَّ مَا نُقِلَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ السَّامِعِينَ تَلَقَّوْهُ مِنْ رَجُلٍ ظَنُّوهُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ بَلْ أُلْقِيَ شَبَهُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ. وَيُؤَدِّي أَيْضًا إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرُّسُلِ لَا يَتَحَقَّقُ لِمَنْ يُعَايِنُهُمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ شَبَهُهُمْ مُلْقًى عَلَى غَيْرِهِمْ كَيْفَ وَالْإِيمَانُ بِالْمَسِيحِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ الْمَسِيحُ كَانَ الْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى زَعْمِكُمْ، وَفِي هَذَا قَوْلٌ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ