وَمَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِإِيجَابِهِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبُهُ وَالْقِصَاصَ يَجِبُ بِإِيجَابِهِ وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ سَبَبُهُ فَرْقٌ، وَلَيْسَ السَّبَبُ بِعِلَّةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] فَالنِّسْبَةُ بِاللَّامِ أَقْوَى وُجُوهِ الدَّلَالَةِ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِالْوَقْتِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ وَعَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ وَيَبْطُلُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَدَاؤُهُ وَيَصِحُّ بَعْدَ هُجُومِ الْوَقْتِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ لُزُومُهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَحْكَامِ هَذَا الْقِسْمِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْوَقْتِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ رُخِّصَ لَهُ التَّأْخِيرُ.
وَالْمُسْلِمُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ رُخِّصَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْأَدَاءِ فَإِنَّ صِحَّةَ الْأَدَاءِ يُبْتَنَى عَلَى كَوْنِ الْمُؤَدَّى مَشْرُوعًا بِنَفْسِهِ بَعْدَ قِيَامِ سَبَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ لَا عَلَى لُزُومِ أَدَائِهِ أَيْ الْمُؤَدَّى كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَحَّ أَدَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ غَيْرَ مُتَوَجِّهٍ إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَالْمُسَافِرِ أَوْ الْمَرِيضِ إذَا صَامَ فِي حَالِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ صَحَّ الْأَدَاءُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْأَهْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. قَوْلُهُ (وَمَا بَيْنَ هَذَا) أَيْ لَيْسَ بَيْنَ قَوْلِنَا الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَبَبُ وُجُوبِهَا فِي الظَّاهِرِ الْوَقْتُ وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِلْكُ الْمَالِ النَّامِي سَبَبُهُ فَرْقٌ، وَغَرَضُهُ مِنْهُ رَدُّ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَبَيْنَ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ حَيْثُ جَوَّزَ إضَافَةَ الْقِسْمِ الثَّانِي إلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ السَّبَبُ بِعِلَّةٍ جَوَابٌ عَمَّا قَالُوا لَا تَأْثِيرَ لِلْوَقْتِ فِي إيجَابِ الْعِبَادَةِ لِيَكُونَ سَبَبًا لَهَا فَأَمَّا الْمَالُ فَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الْمُوَاسَاةِ وَلِلْجِنَايَةِ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْعُقُوبَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إلَى الْمَالِ وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ إلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ فَقَالَ لَيْسَ السَّبَبُ بِعِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ لِيُشْتَرَطَ التَّأْثِيرُ لِصِحَّتِهَا كَالْكَسْرِ مَعَ الِانْكِسَارِ بَلْ هِيَ عِلَّةٌ جَعْلِيَّةٌ وَضَعَهَا الشَّارِعُ أَمَارَةً عَلَى الْإِيجَابِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا التَّأْثِيرُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ نُسْخَةٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ أَنَّ الْعِلَّةَ مَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَيَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالسَّبَبَ سَبَبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ.
قَالَ: وَمِثَالُ هَذَا أَفْعَالُ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي فِعْلِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ أَنْ لَا يَصْلُحَ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْجَزَاءِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِفَضْلِهِ جَعَلَ أَفْعَالَهُمْ سَبَبًا لِإِحْرَازِ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ فَكَذَا هَاهُنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى الْوَقْتِ بِحَرْفِ اللَّامِ وَبِدُونِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] . نَسَبَ الصَّلَاةَ إلَى وَقْتِ الدُّلُوكِ بِحَرْفِ اللَّامِ وَالنِّسْبَةُ بِاللَّامِ أَقْوَى وُجُوهِ الدَّلَالَةِ عَلَى تَعَلُّقِ الصَّلَاةِ بِالْوَقْتِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ وَالِاخْتِصَاصِ كَمَا يُقَالُ تَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ وَتَأَهَّبَ لِلشِّتَاءِ، وَيُقَالُ اتَّخَذَ فُلَانٌ الضِّيَافَةَ لِفُلَانٍ أَيْ بِسَبَبِهِ، وَخَرَجَ فُلَانٌ لِقُدُومِ فُلَانٍ يَعْنِي قُدُومَ فُلَانٍ سَبَبٌ لِخُرُوجِهِ كَذَا قَالَهُ أَبُو الْيُسْرِ. وَأَمَّا الْإِضَافَةُ بِدُونِ اللَّامِ فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى إضَافَةِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ إلَى الْأَوْقَاتِ يُقَالُ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ وَنَحْوُهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِهِ كَإِضَافَةِ الْوَلَدِ إلَى الْوَالِدِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ أَنْ تَكُونَ بِأَخَصِّ الْأَوْصَافِ، وَأَخَصُّ الْأَوْصَافِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالسَّبَبِ سَابِقٌ عَلَى سَائِرِ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ. وَمَجْمُوعُ قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ قَبْلَ الْوَقْتِ إلَى قَوْلِهِ لُزُومُهَا أَيْ لُزُومُ أَدَائِهَا دَلِيلٌ وَاحِدٌ فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ سَبَبٌ. وَعِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَيَجُوزُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَعَ تَأَخُّرِ لُزُومِ الْأَدَاءِ بِالْخِطَابِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يُفْهَمُ مِنْ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ شَيْءٌ سِوَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِالْخِطَابِ فَمَا الَّذِي يَكُونُ وَاجِبًا بِسَبَبِ الْوَقْتِ.
(قُلْنَا) الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْوَقْتِ مَا هُوَ الْمَشْرُوعُ نَفْلًا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَبَيَانُ هَذَا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ نَفْلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وُجِدَ الْأَدَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَفِي رَمَضَانَ يَكُونُ مَشْرُوعًا وَاجِبًا بِسَبَبِ الْوَقْتِ