وَإِنَّمَا يُعْرَفُ السَّبَبُ بِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ حَادِثًا بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُعْرَفُ السَّبَبُ) ثُمَّ بَيَّنَ الشَّيْخُ أَمَارَةَ كَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا فَقَالَ: إنَّمَا يُعْرَفُ السَّبَبُ بِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ أَيْ إضَافَتِهِ إلَيْهِ كَقَوْلِك صَلَاةُ الظُّهْرِ وَصَوْمُ الشَّهْرِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَحَدُّ الشُّرْبِ، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ. وَتَعَلُّقُهُ بِهِ أَيْ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ بِدُونِهِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُضَافُ إلَيْهِ سَبَبًا لِلْمُضَافِ، وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُضَافُ حَادِثًا بِالْمُضَافِ إلَيْهِ كَقَوْلِك كَسْبُ فُلَانٍ أَيْ حَدَثَ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَمَّا كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلتَّمْيِيزِ كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْإِضَافَةَ إلَى أَخَصِّ الْأَشْيَاءِ بِهِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ، وَأَخَصُّ الْأَشْيَاءِ بِالْحُكْمِ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ أَصْلًا فَأَمَّا الشَّرْطُ فَإِنَّمَا يُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ عِنْدَهُ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ مَجَازًا، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَقِيقَةُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ فَإِنَّ الْمُضَافَ نَكِرَةٌ قَبْلَ الْإِضَافَةِ، وَقَدْ تُعْرَفُ بَعْدَهَا بِالْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ، وَالشَّيْءُ مَتَى اُخْتُصَّ فِي نَفْسِهِ تَعَرَّفَ فَإِذَا قُلْت جَاءَنِي غُلَامٌ نَكِرَةٌ لِشُيُوعِهِ فِي الْغِلْمَانِ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي غُلَامُ زَيْدٍ صَارَ مَعْرِفَةً لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ.
ثُمَّ اخْتِصَاصُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ بِمَعَانٍ فَاخْتِصَاصُ الْغُلَامِ بِزَيْدٍ بِمَعْنَى الْمِلْكِ وَاخْتِصَاصُ الِابْنِ بِالْأَبِ فِي قَوْلِك ابْنُ فُلَانٍ بِمَعْنَى النَّسَبِ وَاخْتِصَاصُ الْيَدِ بِزَيْدٍ فِي قَوْلِك يَدُ زَيْدٍ بِمَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ، وَقِسْ عَلَيْهِ. ثُمَّ تُعَرَّفُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِإِضَافَتِهِمَا إلَى الْوَقْتِ إمَّا بِمَعْنَى السَّبَبِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبًا بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ. أَوْ بِمَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ. أَوْ بِمَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وُجُودَ الْوَاجِبِ يَحْصُلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ. ثُمَّ تَرَجَّحَ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ إضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ بِهِ كَقَوْلِك عَبْدُ اللَّهِ وَنَاقَةُ اللَّهِ، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ، وَكَسْبُ فُلَانٍ وَتَرِكَتُهُ وَالْوُجُوبُ هُوَ الْحَادِثُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِالْوَقْتِ. وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْكَلَامِ فَقَالَ هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مَا وَضَعُوا الْإِضَافَةَ لِمَعْرِفَةِ الْحُدُوثِ، وَلَا فَهِمُوهُ مِنْهَا أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا وَضَعُوهَا لِلتَّعْرِيفِ، وَفَهِمُوا مِنْهَا الِاخْتِصَاصَ الْمُوجِبَ لِلتَّعْرِيفِ.
وَكَذَا الْإِضَافَةُ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللُّغَةِ شَائِعٌ، وَلَوْ كَانَ وَضْعُ الْإِضَافَةِ دَالًّا عَلَى الْحُدُوثِ لَمَا جَازَتْ إضَافَةُ الْأَشْيَاءِ إلَى غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقِيقَةً لِتَأَدِّيهَا إلَى الشَّرِكَةِ فِي الْأَحْدَاثِ. وَقَدْ يُضَافُ الْأَجْسَامُ وَالْجَوَاهِرُ إلَى الْعِبَادِ فَيُقَالُ دَارُ عَبْدِ اللَّهِ، وَفَرَسُ زَيْدٍ وَسَيْفُ خَالِدٍ وَيُقَالُ هَذَا عَبْدُ فُلَانٍ كَمَا يُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ. وَكَذَا مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ كَسْبُ فُلَانٍ وَتَرِكَتُهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ هَذَا الْكَلَامِ لَا تَصْحِيحَهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ قَدْ يَكُونُ عَبْدًا وَجَارِيَةً وَدَارًا وَضَيْعَةً، وَكَذَا التَّرِكَةُ وَرُبَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَقْدَمَ وُجُودًا مِنْ الْكَاسِبِ وَالتَّارِكِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهَا بِهِ. وَلَوْ كَانَ هُوَ أَسْبَقَ وُجُودًا مِنْهَا فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهَا بِهِ. وَلَوْ قِيلَ كَانَ مِلْكُهَا حَادِثًا بِسَبَبِهِ تَقُولُ لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ الْمِلْكُ إنَّمَا أُضِيفَ إلَيْهِ أَعْيَانُهَا فَإِذَنْ لَمْ تَدُلَّ الْإِضَافَةُ عَلَى حُدُوثِ الْمُضَافِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ بَلْ دَلَّتْ عَلَى حُدُوثِ غَيْرِ الْمُضَافِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَبْطُلُ هَذَا الْكَلَامُ.
ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ صَوْمُ الشَّهْرِ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حُدُوثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْوَقْتِ؛ لِأَنَّ