وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ مَنْ سَجَدَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالنَّهْيِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ فِعْلُ السُّجُودِ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ فَوَاتَهُ حَتَّى إذَا أَعَادَهَا عَلَى مَكَان طَاهِرٍ جَازَ عِنْدَهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ إحْرَامَ الصَّلَاةِ لَا يَنْقَطِعُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي مَسَائِلِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُنْهَ عَنْ تَرْكِهَا قَصْدًا فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا بِقَدْرِ مَا يَفُوتُ مِنْ الْفَرْضِ، وَذَلِكَ لِهَذَا الشَّفْعِ.
فَأَمَّا احْتِمَالُ شَفْعٍ آخَرَ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَرْضَ مُمْتَدٌّ فَكَانَ ضِدُّهُ مُفَوَّتًا أَبَدًا وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ السُّجُودَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الصَّوْمِ.
وَأَمَّا التَّرَبُّصُ فَمَعْنَاهُ الِانْتِظَارُ وَالتَّرَبُّصُ بِنَفْسِهَا أَنْ تَحْمِلَهَا عَلَى الِانْتِظَارِ، وَهُوَ تَوَقُّفُ الْكَيْنُونَةِ أَمْرٌ فِي الثَّانِي لَا لِنَفْسِهِ كَالرَّجُلِ يَنْتَظِرُ قُدُومَ رَجُلٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ إدْرَاكِ غَلَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْأَجَلِ، وَإِذَا صَارَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِانْتِظَارِ أَمْرًا آخَرَ لَا نَفْسَهُ صَلُحَ الْوَاحِدُ لِإِعْدَادٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ يَنْتَظِرُ فِيهِ قُدُومَ أُنَاسٍ وَزَوَالِ حُرُمَاتِ بِأَيْمَانٍ مُوَقَّتَةٍ بِيَوْمٍ وَشَهْرٍ وَاحِدٍ يُنْتَظَرُ فِيهِ حُلُولُ دُيُونٍ فَدَلَّ صِيغَةُ الِانْتِظَارِ عَلَى فِعْلٍ وَجَبَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ زَوَالُ الْحُرُمَاتِ وَقَدْ سَلَّمْنَا نَحْنُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْفِعْلِ، وَلَكِنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي لِأَدَاءِ حُرُمَاتٍ كَثِيرَةٍ إقَامَةً لِمَحْظُورِ الْعِدَّةِ لَا لِرُكْنِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ كَرَاهَةَ ضِدِّهِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّفْوِيتِ لَا تَحْرِيمِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ مَنْ سَجَدَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْمَكَانِ النَّجَسِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالنَّهْيِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ ثَابِتٌ بِالْأَمْرِ بِالسُّجُودِ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى. وَاسْجُدُوا. إذْ الْمُرَادُ مِنْهُ السُّجُودُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا أَيْ السُّجُودُ عَلَى مَكَان نَجِسٍ لَا يُوجِبُ فَوَاتَ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا لَا مُفْسِدًا. وَلِهَذَا أَيْ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ ضِدِّهِ إلَّا إذَا حَصَلَ التَّفْوِيتُ بِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إحْرَامُ الصَّلَاةِ لَا يَنْقَطِعُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي مَسَائِلِ النَّفْلِ، وَهِيَ ثَمَانِ مَسَائِلَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِرَاءَةِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ تَرْكِهَا قَصْدًا بَلْ اقْتِضَاءً وَضَرُورَةً فَلَا يَكُونُ التَّرْكُ حَرَامًا إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَفْوِيتُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، وَفَوَاتُهَا تَحَقَّقَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَيَظْهَرُ تَحْرِيمُ التَّرْكِ فِي حَقِّ هَذَا الشَّفْعِ حَتَّى فَسَدَ أَدَاؤُهُ فَأَمَّا احْتِمَالُ أَدَاءِ شَفْعٍ آخَرَ بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا التَّرْكِ فَلَا يَظْهَرُ حُرْمَةُ التَّرْكِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ فَتَبْقَى صَحِيحَةً قَابِلَةً لِبِنَاءِ شَفْعٍ آخَرَ عَلَيْهَا، وَإِنْ فَسَدَ أَدَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ فَسَادِ الْأَدَاءِ بُطْلَانُ التَّحْرِيمَةِ كَمَا إذَا فَسَدَ الْفَرْضُ بِتَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ. وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ صَحَّتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ شَرْطًا لِلْأَدَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِفَسَادِ الْأَدَاءِ بِمَنْزِلَةِ الطَّهَارَةِ.
وَلَا يَلْزَمُ يَعْنِي عَلَى أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِالْأَكْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْأَكْلُ إلَّا فِي جُزْءٍ مِنْهُ مَعَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا بَلْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْكَفِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَرْضَ، وَهُوَ الصَّوْمُ مُمْتَدٌّ حَتَّى كَانَ الْكُلُّ فَرْضًا وَاحِدًا فَوُجُودُ ضِدِّهِ يَكُونُ مُفَوِّتًا لَهُ لَا مَحَالَةَ لِفَوَاتِ امْتِدَادِهِ بِهِ كَالْإِيمَانِ لَمَّا كَانَ فَرْضًا دَائِمًا كَانَ وُجُودُ ضِدِّهِ، وَهُوَ الْكُفْرُ مُفَوِّتًا لَهُ، وَإِنْ قَلَّ. فَأَمَّا النَّفَلُ فَكُلُّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَفَسَادُ الْأَدَاءِ فِي أَحَدِ الشَّفْعَيْنِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ وَلِهَذَا قُلْنَا أَيْ وَلِمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفَرْضَ الْمُمْتَدَّ يَبْطُلُ بِوُجُودِ الضِّدِّ فِي جُزْءٍ مِنْهُ قُلْنَا إنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ السُّجُودَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ حَتَّى لَوْ أَعَادَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لَمَّا كَانَ فَرْضًا صَارَ السَّاجِدُ عَلَى النَّجَسِ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجَسِ بِحُكْمِ الْفَرْضِيَّةِ أَيْ فَرْضِيَّةِ وَضْعِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ بِمَنْزِلَةِ حَامِلِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ يَتَأَدَّى بِالْوَجْهِ وَالْأَرْضِ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وَضْعِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْأَرْضُ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْوَجْهِ صَارَ مَا كَانَ صِفَةً لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ لِلْوَجْهِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ فَيَصِيرُ السَّاجِدُ عَلَى النَّجَسِ كَالْحَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ الْكَفُّ عَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِ فِي جَمِيعِ