لَكِنَّ السَّبَبَ لَمَّا تَرَاخَى حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ كَانَ الْقَوْلُ بِالتَّرَاخِي بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ رُخْصَةً فَأُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْوَهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى كَانَ فَرْضًا إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْإِفْطَارِ وَتَرْكُ الصَّوْمِ تَرَاخَى فِي حَقِّهِ إلَى إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَكَانَتْ الْعَزِيمَةُ أَدْنَى حَالًا مِنْهَا فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْإِفْطَارِ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْإِفْطَارِ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ السَّبَبِ فَلَا جَرَمَ كَانَتْ الرُّخْصَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْعَزِيمَةِ أَدْنَى حَالًا مِنْ الرُّخْصَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَزِيمَةِ بِالْأَدْنَى؛ لِأَنَّ كَمَالَهَا وَانْتِقَاصَهَا بِكَمَالِ الْعَزِيمَةِ وَانْتِقَاصِهَا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخَذَتْ شَبَهًا بِالْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ، وَهُوَ الْوُجُوبُ وَحُرْمَةُ الْإِفْطَارِ لَمَّا تَرَاخَى لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْحَالِ فَلَمْ يُعَارِضْ الرُّخْصَةَ، وَهِيَ إبَاحَةُ الْإِفْطَارِ وَتَرْكُ الصَّوْمِ حُرْمَةٌ فَكَانَتْ شَبِيهًا بِالْإِفْطَارِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَكُنْ رُخْصَةً مَحْضَةً حَقِيقَةً.

لَكِنَّ السَّبَبَ لَمَّا تَرَاخَى حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ السَّبَبِ تَرَاخَى عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ إذْ لَوْ كَانَ مُعَلَّقًا لَمَا جَازَ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلَكَانَ السَّبَبُ غَيْرَ تَامٍّ فِي الْحَالِ لِمَا مَرَّ. كَانَ الْقَوْلُ بِتَرَاخِي الْوُجُوبِ وَحِلِّ الْإِفْطَارِ بَعْدَمَا تَمَّ السَّبَبُ رُخْصَةً حَقِيقَةً فَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْقِسْمُ دُونَ الْأَوَّلِ إذْ لَيْسَ فِي الْأَوَّلِ مَدْخَلٌ لِلْمَجَازِ يُوَجَّهُ، وَفِي الثَّانِي لِلْمَجَازِ مَدْخَلٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى تَرَاخِي الْحُكْمِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ، وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ ثَابِتًا لَلَزِمَهُ الْأَمْرُ بِالْفِدْيَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ بِعُذْرٍ يَرْفَعُ الْإِثْمَ، وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ الْحَلِفُ كَالْمُكْرَهِ عَلَى الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ، وَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ زَمَانِ الْقَضَاءِ يَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِالْفِدْيَةِ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْحَالِ.

ثُمَّ الشَّيْخُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ إلَى نَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ مِنْهُمْ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْعِدَّةِ سَوَاءٌ صَامَ فِي السَّفَرِ أَوْ لَمْ يَصُمْ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالُوا إنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّقَ الْوُجُوبَ فِي حَقِّهِ بِإِدْرَاكِ الْعِدَّةِ بِقَوْلِهِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْمُقِيمِ قَبْلَ رَمَضَانَ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» . وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَوْ صَامَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْمُسَافِرَ وَالْمُقِيمَ. وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] . لِبَيَانِ التَّرْخِيصِ بِالْفِطْرِ فَيَنْتَفِي بِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لَا جَوَازُهُ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجَوَازِ كَثْرَةٌ.

وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ حَتَّى خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ عَلَى مَا عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ الْعَزِيمَةُ أَوْلَى أَيْ) الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَوْلَى مِنْ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ، وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ بِكَمَالِهِ لَمَّا كَانَ قَائِمًا وَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ بِالْأَجَلِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ التَّعْجِيلِ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ كَانَ الْمُؤَدِّي لِلصَّوْمِ عَامِلًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ وَالْمُتَرَخِّصُ بِالْفِطْرِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّرَفُّهِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى. وَلِتَرَدُّدٍ فِي الرُّخْصَةِ يَعْنِي الْيُسْرَ لَمْ يَتَعَيَّنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015