وَتَفْسِيرُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْمٌ لِكُلِّ لَفْظٍ أُرِيدَ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ حَقِّ الشَّيْءِ يَحِقُّ حَقًّا، فَهُوَ حَقٌّ وَحَاقٌّ وَحَقِيقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّصُوصَ وَتَرَكُوهَا بِلَا عَمَلٍ فَصَارُوا مُعَطِّلَةً لَهَا.
قَوْلُهُ (وَتَفْسِيرُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ التَّقْسِيمِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الرَّابِعِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِسْمِ الْمُقَابِلِ، الْحَقِيقَةُ كُلُّ لَفْظٍ أُرِيدَ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذِكْرَ كَلِمَةِ كُلِّ فِي التَّعْرِيفِ مُسْتَبْعَدٌ وَاعْتَذَرْنَا عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ كُلُّ لَفْظٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ لَا الْمَعَانِي، وَكَذَا الْمَجَازُ إذْ الْمُرَادُ مِنْ كَلِمَةِ مَا فِي تَعْرِيفِهِ اللَّفْظَ أَيْضًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لُغَوِيَّةٌ وَشَرْعِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ وَالسَّبَبُ فِي انْقِسَامِهَا هَذَا هُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ وَضْعٍ وَالْوَضْعُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاضِعٍ فَمَتَى تَعَيَّنَ نُسِبَتْ إلَيْهِ الْحَقِيقَةُ فَقِيلَ لُغَوِيَّةٌ إنْ كَانَ صَاحِبُ وَضْعِهَا وَاضِعَ اللُّغَةِ كَالْإِنْسَانِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَقِيلَ شَرْعِيَّةٌ إنْ كَانَ صَاحِبُ وَضْعِهَا الشَّارِعَ كَالصَّلَاةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَمَتَى لَمْ يَتَعَيَّنْ قِيلَ عُرْفِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفًا عَامًّا كَالدَّابَّةِ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ خَاصًّا كَمَا لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الَّتِي تَخُصُّهُمْ كَالنَّقْضِ وَالْقَلْبِ وَالْجَمْعِ وَالْفَرْقِ لِلْفُقَهَاءِ وَالْجَوْهَرُ وَالْعَرَضُ وَالْكَوْنُ لِلْمُتَكَلِّمِينَ وَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالْجَرُّ لِلنُّحَاةِ، وَلَا يُسْتَرَابُ فِي انْقِسَامِ الْمَجَازِ إلَى نَحْوِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي النَّاطِقِ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَالصَّلَاةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الدُّعَاءِ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ؛ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً وَالدَّابَّةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي كُلِّ مَا يَدِبُّ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ؛ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَضْعِ، وَهُوَ تَعْيِينُ اللَّفْظَةِ بِإِزَاءِ مَعْنًى بِنَفْسِهَا فِي التَّعْرِيفَيْنِ مُطْلَقُ الْوَضْعِ فَيَدْخُلُ فِيهِمَا الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ وَلَا بُدَّ فِي تَعْرِيفِ الْمَجَازِ مِنْ قَيْدٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لِعَلَاقَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ لِاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا مَعْنًى أَوْ ذَاتًا وَإِلَّا يُنْتَقَضْ بِمَا إذَا اسْتَعْمَلَ لَفْظَ السَّمَاءِ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ؛ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بَلْ هُوَ وَضْعٌ جَدِيدٌ.
وَلَا يُقَالُ تَعْرِيفُ الْمَجَازِ بِمَا ذُكِرَ مَعَ هَذَا الْقَيْدِ الَّذِي شَرَطْت غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ التَّجَوُّزِ بِتَخْصِيصِ الِاسْمِ بِبَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ فِي اللُّغَةِ كَتَخْصِيصِ الدَّابَّةِ بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ عَنْهُ إذْ لَيْسَ هُوَ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَخُرُوجُ التَّجَوُّزِ بِزِيَادَةِ الْكَافِ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، عَنْهُ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهَا فِي شَيْءٍ أَصْلًا وَغَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ فِيهِ لِكَوْنِهِمَا مُسْتَعْمَلَتَيْنِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتَا لَهُ وَالْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ حَقِيقَةٌ لَا تَكُونُ مَجَازًا لِأَنَّا نُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُطْلَقِ مُخَالِفَةٌ لِحَقِيقَةِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ هُمَا كَذَلِكَ وَإِذَا كَانَ لَفْظُ الدَّابَّةِ حَقِيقَةً فِي مُطْلَقِ كُلِّ دَابَّةٍ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الدَّابَّةِ الْمُقَيَّدَةِ عَلَى الْخُصُوصِ يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْكَافَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً لَا فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُمَا؛ وَإِنْ كَانَتَا حَقِيقَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَوَاضُعِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ فَلَا يَخْرُجَانِ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِمَا مُجَازَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِعْمَالِهِمَا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتَا لَهُ أَوَّلًا فِي اللُّغَةِ إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارٍ وَمَجَازًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَعْرِيفِهِمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا أُفِيدَ بِهَا مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي أَصْلِ الِاصْطِلَاحِ الَّذِي وَقَعَ التَّخَاطُبُ بِهِ وَقَدْ دَخَلَ فِيهِ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَالشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ.
[تَعْرِيف الْمَجَاز]
(وَالْمَجَازُ) مَا أُفِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا اُصْطُلِحَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ الَّتِي وَقَعَ