وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] أَنَّ وَصْفَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِنَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَثْبُتَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَذَلِكَ فِي الزِّنَا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَهُ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْوَصْفُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ بَيَانُهُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبٌ لَوْلَا هُوَ صَارَ الشَّرْطُ مُؤَخَّرًا وَنَافِيًا حُكْمَ الْإِيجَابِ وَالْوَصْفُ لَوْلَا هُوَ لَكَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِمُطْلَقِ الِاسْمِ أَيْضًا فَصَارَ لِلْوَصْفِ أَثَرُ الِاعْتِرَاضِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَأُلْحِقَ بِهِ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ لَا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا يُوجِبُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْعَلَمِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُودُ وَلَمْ يُوجَبْ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّائِمَةِ عَنْ الْعُمُومِ بِالِاجْتِهَادِ فَخَصَّ السَّائِمَةَ لِقِيَاسِ الْعَلُوفَةِ عَلَيْهَا إنْ رَأَى أَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا أَوْ لَا يَلْحَقُ بِهَا فَيَبْقَى السَّائِمَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ الثَّالِثَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى التَّخْصِيصِ عُمُومُ وُقُوعٍ أَوْ اتِّفَاقُ مُعَامَلَةٍ خَاصَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابٍ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهَا فَعَدَمُ عِلْمِنَا بِذَلِكَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ عِلْمِنَا بِعَدَمِ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ لَعَلَّ إلَيْهِ دَاعِيًا لَمْ نَعْرِفْهُ وَمَا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ مِنْ تَخْصِيصَاتٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ خَالَفَ الْمَوْصُوفُ فِيهَا غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ فَالْجَوَابُ عَنْهَا أَنَّ ذَلِكَ إمَّا لِبَقَائِهَا عَلَى الْأَصْلِ أَوْ مَعْرِفَتِهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ أَوْ بِقَرِينَةٍ مَعَ أَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِتَخْصِيصَاتٍ لَا أَثَرَ لَهَا فِي نَقِيضِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذْ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْخَاطِئِ وقَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] وَالْحِلُّ ثَابِتٌ فِي اللَّاتِي لَمْ يُهَاجِرْنَ مَعَهُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: 6] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45] {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} [يس: 11] {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] لِي أَمْثَالٌ لَهَا لَا تُحْصَى وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْفِقْهِ وَلِلْفَرِيقَيْنِ كَلَامٌ طَوِيلٌ يُؤَدِّي ذِكْرُهُ إلَى الْإِطْنَابِ فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى) أَيْ نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] عَلَّقَ حُرْمَةَ الرَّبِيبَةِ بِالدُّخُولِ بِامْرَأَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَنْ تَكُونَ مُضَافَةً إلَيْنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَثْبُتَ هَذِهِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ عَدَمِ هَذَا الْوَصْفِ وَذَلِكَ فِي الزِّنَا أَيْ عَدَمُ الْوَصْفِ يَتَحَقَّقُ فِي الزِّنَا فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِهِ.
وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْمُدَّعِي أَيْ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِثْلُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ دَلَّ عَدَمُ الْوَصْفِ وَهُوَ السَّوْمُ فِيهِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ إذْ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّفْيِ لَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْعَوَامِلِ بِالْخَبَرِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ثُمَّ أَلْحَقَ الشَّيْخُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَجَعَلَهَا مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ وَبَيَّنَ وَجْهَ الْبِنَاءِ فَقَالَ: الْوَصْفُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ فِي الْحَالِ لَوْلَا دُخُولُهُ عَلَيْهِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُؤَخِّرًا حُكْمَ الْإِيجَابِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَنَافِيًا لَهُ فِي الْحَالِ فَكَذَا النَّصُّ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ لَوْلَا الْوَصْفُ فَإِذَا قَيَّدَ بِهِ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمُسَمَّى إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ فَكَانَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَكُونُ مُوجِبًا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَبِدُونِهِ كَانَ مُوجِبًا فِي الْحَالِ فَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ رَاكِبَةً لَا يَكُونُ مُوجِبًا مَا لَمْ يُوجَدْ الرُّكُوبُ مَعَ الدُّخُولِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ النَّفْيَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُؤَخِّرٌ فَكَذَا التَّقْيِيدُ بِالْوَصْفِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِلَّةِ أَيْ الشَّرْطِ