وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ: إنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ نَعْتُ الْمَرْأَةِ وَالطَّلَاقَ الْوَاقِعَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ اقْتِضَاءً لَكِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا عُمُومَ لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْمُوعِ الْكَلَامِ وَتَقْوِيمِ مَعْنَاهُ لَا لِإِفْرَادِ كَلِمَاتِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ مَعَ التَّغَيُّرِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لَهُ بَلْ يَكُونُ مُقَرِّرًا وَمُصَحِّحًا وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الَّتِي صَحَّتْ فِيهَا نِيَّةُ الْعُمُومِ وَهِيَ الَّتِي حَمَلَتْكُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِي قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك مَثَلًا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَلَا غَيْرَ مَذْكُورٍ بَلْ مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ وَالْكَلَامَانِ يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَوْجَزُ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالْغَضَنْفَرِ فَكَانَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا فَيَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْذُوفَ عِنْدَ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي عُرِّفَ الْمُقْتَضَى بِتَعْرِيفٍ دَخَلَ فِيهِ الْمَحْذُوفُ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ فِي التَّعْرِيفِ وَلَكِنْ لَمَّا خَالَفَهُ فِي الْمَحْذُوفِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْرِيفِ قَيْدًا يَنْفَصِلُ بِهِ الْمُقْتَضِي مِنْ الْمَحْذُوفِ لِيَصِيرَ بِهِ الْحَدُّ مَانِعًا بِأَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْمُقْتَضَى فَزِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ ثَبَتَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَرْعًا أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَمْ يَسْتَقِمْ الْحَدُّ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ الْمُقْتَضَى عِبَارَةٌ عَنْ زِيَادَةٍ ثَبَتَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْمُقْتَضَى أَمْرٌ شَرْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ قُلْنَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَلَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعْمِلُ نِيَّتَهُ وَيَقَعُ مَا نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقٌ يَقْتَضِي طَلَاقًا وَالْمُقْتَضَى بِمَنْزِلَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْمِيمِ فَيَعْمَلُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّعْمِيمَ أَنَّهُ لَوْ أَلْحَقَ الثَّلَاثَ بِهِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ ثَلَاثًا مُنْتَصِبًا عَلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّفْسِيرُ إنَّمَا يَقَعُ بِبَيَانٍ مُحْتَمَلِ اللَّفْظِ لَا بِغَيْرِهِ.

وَكَذَا إذَا قِيلَ: فُلَانٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ صَحَّ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ الْعَدَدِ فَيُقَالُ: كَمْ طَلَّقَهَا وَلَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ لَمَا اسْتَقَامَ الِاسْتِفْسَارُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: زُورِي أَبَاك أَوْ حُجِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ وَهُوَ طَالِقٌ نَعْتُ الْمَرْأَةِ لَا اسْمُ الطَّلَاقِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَالتَّعْمِيمَ لِأَنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ وَالْفَرْدُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ بِوَجْهٍ لَا يُقَالُ لِلْمَثْنَى وَلِلثَّلَاثِ طَالِقٌ بَلْ يُقَالُ طَالِقَانِ وَطَوَالِقُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنَّ عِنْدَ الْخَصْمِ عَمَلَ النِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ طَالِقٌ لَا فِي طَالِقٍ وَلَكِنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ ثَبَتَ مُقْتَضًى لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَادِقًا فِي هَذَا الْوَصْفِ إلَّا بِوُقُوعِ طَلَاقٍ عَلَيْهَا سَابِقٍ لِيَصِحَّ الْوَصْفُ بِنَاءً عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إيقَاعًا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَفِي تَصَرُّفِهِ ذَلِكَ فَأَثْبَتْنَاهُ لِيَتَحَقَّقَ هَذَا الْوَصْفُ مِنْهُ صِدْقًا وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا اقْتِضَاءً كَانَ فِيمَا وَرَاءَهُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا فِي الْمَلْفُوظِ.

وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ نَعْتُ الْمَرْأَةِ أَيْ الْمَذْكُورَ وَصْفُهَا الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنِّيَّةِ لَا الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015